الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – منذ أن التقيت به، لم أرتح له. عيناه كعيون الثعلب مكرًا، وفمه كفم الببغاء ثرثرة، وأذناه كأذني الخلد سمعًا. يتكلَّم بهمس ويُظهر الطيبة والاهتمام الفائق. تحدَّث عنه الكثيرون بأنَّه إنسان خدوم، مستمع جيِّد، متحدِّث لبق، تأنس لعشرته وترتاح لكلماته.
كلَّ مرَّة ألتقي به يأتيني الانطباع ذاته: لا يوحي بالراحة. مرَّت الأيَّام والأشهر، لم يظهر عليه إلاَّ الاهتمام والتفاني في الخدمة. فقلت في نفسي: ربَّما كنتُ مخطئًا في ظنّي. فيجب عليَّ عدم الحكم على الإنسان من مظهره الخارجيّ ولا حتَّى من اللقاء الأوَّل به، بل يجب معاشرته ثمَّ إعطاء الحكم الصائب فيه. وبدأتُ فعلاً أغيِّر تفكيري فيه، وصرتُ أحاول أن آنس لعشرته.
وفي أحد الأيَّام، التقيتُ بصديق مشترك فدعوته إلى فنجان من القهوة. وفي المقهى، شعرتُ بأنَّ الصديق مرتبك، ويتلعثم في كلامه. فقلتُ له:
- ما بك؟
- لا أعرف كيف أبدأ بالحديث معك. صديقنا فلان استغلَّ طيبة قلبي واقترض منّي مبلغًا من المال، قدَّمته له بطيبة خاطر بدون أوراق أو مستندات تثبت ذلك، ثمَّ أنكر أنَّه استلف منّي شيئًا. وعندما كنتُ أتكلَّم مع إحدى السيِّدات عنه قالت لي إنَّه حاول أن يوقعها في حبائله. لم أصدِّقها حتَّى رأيتها تصرخ يومًا في وجهه: “ابتعد عنّي يا سافل!” فنظر حواليه كاللصّ واختفى من أمامها لئلاَّ يراه أحد…
كانت صدمتي كبيرة. فالحاسَّة السادسة عندي لم تُخطئ يومًا. وها كلام هذا الصديق يؤكِّد صدق شعوري تجاه ذاك الرجل. وبينما كنتُ أقلب صفحات إحدى وسائل التواصل الاجتماعيّ، وقع نظري على مقطع دوَّنه مشهور باحتياله ويدَّعي النبوَّة، يعلن فيه أنَّه مستعدٌّ أن يفضح أعمال كلِّ شخص يعترض طريقه ومن بينهم السيِّد فلان، الذي بدأ بشنِّ حملة دعائيَّة ضدَّه. وتبيَّن فيما بعد أنَّ ذاك المشوذ كان شريكًا له في الخفاء ووقع بينهما خلاف حادّ أدَّى إلى فضح أحدهما للآخر.
كثير من الناس يختبئون داخل ثيابهم وهم يُضمرون عكس ما يُظهرون. وهذا النوع من البشر أضحى منتشرًا في كلِّ مكان. كم من إنسان بسيط يقع فريسة احتيال لصٍّ محترف! وكم من فتاة بريئة تقع ضحيَّة وحش مفترس يسلبها طهارتها وشرفها وأحيانًا حياتها، بعدما يظهر لطافة ودماثة أخلاق مزيَّفة!
عالم اليوم أضحى مليئًا بالوجوه المقنَّعة. حتَّى أضحى المثل القائل: “قل لي من تعاشر أقلْ لك من أنت”، غير دقيق البتَّة، بعدما طغى عليه مثل آخر: “أتعرفه؟… نعم… هل عاشرته؟… كلاّ… إذًا فأنت لا تعرفه”. ومن هنا أتى مثل آخر يقول: “إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب”!
لم أعرف ماذا كان يخبِّئ لي ذاك الرجل المحتال. أمّا أنا فقطعتُ علاقتي به بعدما أخذتِ الأخبار والروايات تنتشر عنه يومًا بعد يوم. ومن الغريب أنَّ بعضًا من الناس لا زالوا مصدِّقين أقواله ويتبعونه وعيونهم مغمضة!