الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – كنتُ أظنُّ في صغري أنَّني إن نجحتُ في امتحاني أكون أسعدَ الناس، فوجدتُ أنَّ الفرحة لا تدوم إلاَّ ساعات وتمضي.
كنتُ أظنُّ أنَّني إذا حصلتُ على المرتبة الأولى بلغتُ النصر المبين، فكانت المنافسة مع أعزِّ أصدقائي وبالتالي فقدتُ صديقي المفضَّل.
كنتُ أظنُّ إذا انتهيتُ من دراستي وبدأتُ عملي أرتاح من همِّ الدرس والاجتهاد، فرأيتني ما زلتُ أدرس وزاد عليَّ همُّ العمل والآخرين.
كنتُ أظنُّ أنَّ الزواج يقودني إلى قمَّة السعادة، فإذا بالمشاكل المنزليَّة تلاحقني أينما ذهبت، حتَّى إنَّني فكَّرتُ كثيرًا بالانفصال.
كنتُ أظنُّ أنَّ العمل مصدر رزقي هو الحلُّ لمشاكلي المادّيَّة، فرأيتُ أنَّني بقدر ما أقبض المال أصرفه، وبقيتُ أبحثُ عن دخل أكبر.
كنتُ أظنُّ أنَّ كثرة الأصدقاء تبعدني عن الضجر والملل فإذا بي أشعر أحيانًا بدوار في الرأس لأنَّ الكثير منهم أصحاب مصلحة لا أكثر.
كنتُ أظنُّ أنَّ السهر طول الليل ومعاقرة الخمرة هي الراحة بذاتها فإذا بي أقضي اليوم التالي وجعًا في الرأس لا يُطاق، مع تقصير في العمل ملحوظ.
وكنتُ أظنُّ مع الوباء أنَّه هو مصدر الحزن والكآبة التي يعيشها معظم الناس فإذا بي أكتشف أنَّها حالة مستمرَّة لديهم وأضحت من صلب حياتهم.
وفي جردة حساب في نهائيَّات السنة الفائتة، اكتشفتُ جوهر المشكلة، ومنذ ذلك الحين قرَّرتُ أن أحافظ على الحدِّ الأدنى من العلاقات والآمال.
فذاك الذي وقف إلى جانبي يوم كنتُ بحاجة إلى شخص يعزّيني في حزني، يشجّعني في ضعفي، يسندني عندما أشعر بالسقوط، وينهضني عندما أقع، قرَّرتُ المحافظة عليه.
واتَّفقتُ مع تلك التي اتَّخذتها شريكة حياتي وأمَّ أولادي وقطعة من فؤادي ألاَّ ننام قبل أن نستعرض معًا ما عكَّر صفو نهارنا وما هي المشاكل التي اعترضتنا، وما سبب الخلاف البسيط الذي وقع بيننا، وعملنا على تسوية كلِّ المشاكل بروح رصينة ومسؤولة لننام مرتاحَي البال.
وكرَّستُ الوقت اللازم للتمتُّع أنا وزوجتي مع أولادي الذين رأيتهم يفرحون بوجودي معهم، ألعب معهم، أتحدَّث معهم، نتسلَّى معًا، نخرج معًا للتسوُّق والتنزُّه وقضاء أوقات في الطبيعة الخلاَّبة، بعيدًا عن الآلات الكهربائيَّة والإلكترونيَّة.
وكثَّفتُ زياراتي لإخوتي وأخواتي دون التفكير بضرورة مبادلتي بزياراتهم لي أم لا، مع العلم أنَّ زياراتهم لي ولأسرتي ازدادت، فتوثَّقت العلاقة بيننا أكثر فأكثر، وعادت كما كانت لمَّا كنَّا صغارًا نعيش تحت سقف واحد.
ومذ ذاك ما عدتُ أبحث على طرق جديدة لتجميع المال، أو الركون إلى عمل إضافيّ لأستفيد منه مادّيًّا، وما عدتُ أبحث عن الراحة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ أو الوسائل المتاحة المضرَّة بالصحَّة من معاقرة الخمرة، أو اللجوء إلى التدخين أو تعاطي المخدِّرات، أو الهروب إلى اللذَّة الآنيَّة. فأنا صرتُ أجد السعادة مع هؤلاء الأشخاص الغوالي على قلبي تتجدَّد يومًا بعد يوم، وبعد كلِّ لقاء. وهذا يكفيني ويغنيني!