الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – كم هي كثيرة تلك الأخبار التي تتكلَّم عن المروءة وردِّ الجميل! ولكن، عندما نصل إلى الأخبار التي تتناول الجحود واللؤم ونكران الجميل، فحدِّث ولا حرج!
أخبرتني سيِّدة مُحسنة أنَّها ظلَّت تساعد أرملة فقيرة ما يقارب العشر سنوات، وعندما تأخَّرت شهرًا عن تقديم المساعدة المعتادة، نعتتها الأرملة بالسارقة وشهَّرت أمرها في الحيِّ كلِّه، ظنًّا منها أنَّها تعمل في مؤسَّسة اجتماعيَّة…
ما أصعب عمل الخير وكم يبادَلُ المُحسن بالجفاء ونكران الجميل! توجَّهتُ يومًا إلى مؤسَّسة اجتماعيَّة لإجراء مقابلة مع مديرة المركز، وما إن دخلتُ حتَّى أتت امرأة فاجرة تحمل في يدها كيسًا من القمح رمت به على طاولة المديرة، وصرخت في وجهها: “أنتم حقًّا تعاملون الناس كالبهائم، انظري إلى هذا الكيس المملوء بالسوس. تأخذون مال الفقير وتأكلون به أشهى المأكولات بينما تتركون للفقير المعوز ما تسوَّس في مخازنكم.”
اعتذرت منها مديرة المؤسَّسة وأقعدتها، ومن ثمَّ طلبت توضيحًا من السكرتيرة. فراجعت السكرتيرة ملفَّات الحصص الغذائيَّة فتبيَّن أنَّ آخر مرَّة تمَّ فيها توزيع القمح على المحتاجين ترجع إلى سنة مضت، ومواصفات القمح الموزَّع تختلف عمَّا أحضرت تلك السيِّدة…
وبعد انصراف المرأة بخجل، ابتسمت المديرة وقالت لي: “عذرًا، هذه المرأة هي مثل من أمثلة كثيرة نتعرَّض لها كلَّ يوم في هذه المؤسَّسة. ولو لم يكن عمل المحبَّة الذي نقوم به لوجه الله لما بقي أحد منَّا هنا لحظة واحدة. لكنَّ الله يعطينا القوَّة لنتابع عملنا هذا برحابة صدر. وإن ضاع أجرنا لدى العبد، فلن يضيع لدى السيِّد أبدًا.”
وعند انتهائي من المقابلة، دخلت علينا مساعدة اجتماعيَّة وبعدما تعرَّف أحدنا إلى الآخر، قالت لي: “في مجال عملي، أزور بيوت مقدِّمي طلب للمساعدة. عندما تدخل البيت، يمكنك معرفة المحتاج من غيره فورًا. فالمحتاج تبدو عليه علامات الخجل ويحاول أن يقدِّم ولو الزهيد ممّا لديه ليظهر كرمه. أمّا المدَّعي أنَّه محتاج، فيحاول دومًا أن يبرِّر طلبه للمساعدة، بتبريرات غير مقنعة. تصوَّر مثلاً، زرتُ أسرة قدَّمت طلب مساعدة ملحَّة، وبعد الانتهاء من ملء الاستمارة المنزليَّة، دخلت فتاة عرَّفت بنفسها أنَّها ابنة ربَّة البيت، فكانت مزدانة بما لا يقلُّ عن نصف كيلو من الذهب بين أساور وخواتم وسلاسل. وما إن علمت أنَّني مساعدة اجتماعيَّة دخلت فورًا إلى غرفتها… وعندما هممت بالانصراف، قالت لي الوالدة: أعرف أنَّنا لن نحصل على أيَّة مساعدة بعدما رأيت ابنتي. نحن فعلاً لسنا بحاجة إليكم ولا إلى أمثالكم، ولكن طالما أنَّ كثيرين ينالون حصصًا غذائيَّة وهم ليسوا بحاجة فلمَ لا نحذو حذوهم؟ كما أظنُّ أنَّ ما توزِّعونه فيما بينكم من حصص غذائيَّة يوازي ما توزِّعونه على المحتاجين، فنحن أولى منكم بها…”
لا بدَّ من التنويه هنا، أنَّني أعرف كثيرًا من أصحاب الأيادي البيضاء يعملون في المجال الاجتماعيّ وتصل إلى يدهم إعانات مادّيَّة وغذائيَّة كثيرة فيقومون بتوزيعها على المحتاجين دون أن تسوِّلهم نفسهم أن يمدُّوا يدهم على عيِّنة من تلك الحصص، مع أنَّهم بحاجة إلى المساعدة على قدر أولئك الذين يساعدونهم وأحيانًا أكثر…