د. محمد السعيد إدريس –
الأول نيوز – قبل نحو أسبوع من الهجوم الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على ما اعتبره قاعدة إستراتيجية “للموساد” الإسرائيلي في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، فجر الأحد 13 مارس الحالي، فاجأ المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي المراقبين، بالإعلان مساء الأحد (6/3/2022) عن أن طائرات حربية إسرائيلية من طراز F35 (الشبح)، اعترضت طائرتين مسيرتين إيرانيتين كانتا في طريقهما لتنفيذ عملية ضد أهداف في العمق الإسرائيلي. تزامن مع هذه «المفاجآت» الإيرانية تعرض إسرائيل لهجمات «سيبرانية» مكثفة كان آخرها يوم 14 مارس الحالي وأدى ـ على حد وصف صحيفة «يسرائيل هيوم» ـ إلى تعطل موقع الحكومة الإسرائيلية، وبعد أقل من 48 ساعة من الإعلان عن هذا الهجوم الذي جرى اتهام ايران بالمسئولية عنه. كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية مساء الأربعاء (16/3/2022) عن اختراق جهاز الحاسوب الخاص برئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع. هجمات إيرانية غير مسبوقة، والرسالة التي أرادت إيران توصيلها للجميع هي أن الردود الإيرانية على أي اعتداءات كانت تتعرض لها إيران “خرجت من مرحلة الصمت إلى العلن”، وأن إيران لم تعد معنية بالتمسك أكثر من اللازم بإستراتيجية الصمت الاستراتيجي، وأنها أضحت معنية من الآن بالأخذ باستراتيجية الردع الاستراتيجي”.
إسرائيل تقرأ ذلك جيداً، وقررت رفع درجة التأهب لقواتها في الشمال على الحدود مع سوريا ولبنان، والاحتياط لهجوم طائرات إيرانية مسيّرة متطورة سواء كان من الأراضي الإيرانية نفسها أم من أراضي أحد الوكلاء الإقليميين. وفى ذات الوقت جرى التركيز على أمرين؛ أولهما أن الإفصاح عن المسئولية الإيرانية عن القصف الصاروخي لما اعتبرته طهران قاعدة تجسس للموساد في أربيل وهذه رسالة صريحة من إيران إلى إسرائيل تقول إن: “اللعب أضحى على المكشوف”، وإن إيران باتت في حل من أي تردد في الرد على أي اعتداء.
ثانيهما الاعتراف بأن إسرائيل نجحت في تدمير مصنع إيراني للطائرات المسيرة، جرى خلاله تدمير ما لا يقل عن 600 طائرة، وأعقب هذا الهجوم على ذلك المصنع هجوم إسرائيلي آخر على مواقع قريبة من دمشق، راح ضحيته إيرانيين، وهذا معناه أن إسرائيل هي الأخرى لم تعد ملتزمة فقط بضرب وكلاء إيران، بل هي أضحت مهتمة بنقل المعارك إلى الأراضي الإيرانية.
لكن ما هو أهم هو استنتاج إسرائيل أن الولايات المتحدة التي اعترفت بالهجوم الإيراني على أربيل، لم تشأ أن ترد عليه، ما دفع دراسة إسرائيلية أعدها “معهد السياسة والاستراتيجية” برئاسة الجنرال بالاحتياط عاموس جلعاد إلى القول بأن: “تأكيد الولايات المتحدة لما تحدثت عنه إيران أنها استهدفت بالصواريخ قاعدة سرية إسرائيلية هو تبرير لعدم الرد من جانبها على الهجوم الإيراني الذى استهدف نقل رسالة ردع لتل أبيب، إضافة إلى رسالة أخرى للقيادة العراقية أن عليها أخذ المصالح الإيرانية في الحسبان عند تشكيل الحكومة الجديدة”.
وخلصت الدراسة باستنتاج مفاده أن: “الهجوم الإيراني هز صورة القوة الأمريكية في المنطقة، كما أن غياب الرد الأمريكي على خطوات القوة الإيرانية في المنطقة ضد حلفائها يعتبر ضعفاً أمريكياً، وينضم إلى سلسلة أحداث وخطوات أحدثت شقوقاً في العلاقات الاستراتيجية بين دول الخليج وإدارة الرئيس جو بايدن”.
محرر الشئون العسكرية في صحيفة “إسرائيل هيوم” يوآف ليمور فاقم من هذا الاستنتاج، باستدعائه التطورات الأخرى التي تحدث على جبهة الاتفاق النووي الإيراني في مفاوضات فيينا سواء على صعيد إنجاز اتفاق (ليس أقل سوءاً) من الاتفاق الموقع عام 2015، أو على صعيد التنازلات الأمريكية المتوقعة لإيران خاصة إلغاء إدراج الحرس الثوري الإيراني من على قائمة المنظمات الإرهابية، وقال إن: “طهران جردت واشنطن من كل شيء.. وأن إيران لن ترد فقط (على أي اعتداء)، بل ستكون سباقة ولا تنقصها الجرأة ولا الأموال وسوف تربح 16 ضعفاً من النفط بسبب الحرب في أوكرانيا”. مشيراً إلى أن “الأمريكيين تنازلوا عن كل شيء”. ومشيراً أيضاً إلى أنه “مع تقدم المفاوضات في فيينا، كانوا في إسرائيل يشدّون شعورهم جراء اليأس من الجانب الأمريكي”.
مثل هذه الإشارات لا تستهدف كيل المديح لإيران، بقدر ما تهدف إلى تحفيز الولايات المتحدة للتوقف عن تقديم تنازلات لإيران، وعلى الأخص رفض المطالب الإيرانية بشطب الحرس الثوري من على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، ودفع واشنطن للتشدد في مضامين الاتفاق الذى سيتم التوافق حوله، بحيث لا تجنى إيران ثمار تشددها، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى تهدف إسرائيل إلى ترويع الدول العربية وتركيا، مما تعتبره “مخرجات سيئة لمفاوضات فيينا” ودفع هذه الأطراف إلى الاصطفاف مع إسرائيل في وجه ما تعتبره تل أبيب خطراً إيرانياً، يستوجب الرد الجماعي عليه من جميع الأطراف الإقليمية.
تحذيرات نفتالى بينيت رئيس الحكومة الإسرائيلية من احتمال إلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني، كمنظمة إرهابية تخدم هذا الاتجاه، فقد اعتبر هذا الأمر “ثمناً باهظاً للغاية يدفع للاتفاق النووي مع إيران”، وقال في بداية الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الإسرائيلي (20/3/2022) بحسب ما ذكرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، أنه: “لسوء الحظ هناك تصميم على توقيع اتفاقية نووية مع إيران بأي ثمن تقريباً، بما في ذلك الحديث عن أن أكبر منظمة إرهابية في العالم ليست منظمة إرهابية»، وأوضح أن: «الحرس الثوري الإيراني هو التنظيم الإرهابي الأكبر والأكثر فتكاً في العالم”، منوهاً إلى أن هذه: «ليست مشكلة إسرائيلية فقط بل هي مشكلة دول أخرى حليفة للولايات المتحدة في المنطقة».
إسرائيل تسعى إذن إلى تأسيس جبهة أو تحالف إقليمي في مقدوره تعويض «الغياب الأمريكي» المحتمل، تكون إيران هي المستهدفة منه، طمعاً في أن تكون هذه الخطوة هي «أولى اللبنات المعتبرة لإعادة هندسة نظام الأمن الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط». كيف ستتصرف إيران هي الأخرى؟