الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – بعد الانفجار الذي تعرَّضت له بيروت في آب 2020، تعرَّضت إحدى الإذاعات لضرر كبير في البناء والأجهزة الإلكترونيَّة فيها. فأصدرت بيانًا طالبت فيه أصحاب الأيادي البيضاء مدَّ يد المساعدة لتصليح ما تصدَّع وتجهيز الإذاعة بأجهزة إلكترونيَّة جديدة، داعية الناس إلى الحضور إلى مبنى الإذاعة ورؤيته في وضعه الراهن.
ومن بين الوافدين إلى مبنى الإذاعة، رجلان وصلا سويَّة ودخلا معًا ليعاينا المكان ويتبرَّعا بما تيسَّر معهما. بدا واحد منهما صاحب ثروة طائلة لما يلبس من مجوهرات في عنقه ومعصمه وأصابعه. فأسرعت المضيفة لاستقباله ودعوته إلى فنجان من القهوة. بينما الآخر، وبدا شخصًا عاديًّا، احتار ماذا يفعل، وظلَّ منتظرًا من يستقبله، فلم يهتمَّ لأمره أحد.
بعد ربع ساعة من الانتظار، قام الثريّ من مقعده وتبرَّع بشيء زهيد جدًّا أمام الأضرار التي شاهدها وانصرف. عندئذٍ تقدَّمت المضيفة من الرجل العاديّ وابتسمت له قائلة: “أهلاً بك في دار الإذاعة. بالطبع تودُّ تقديم بعض المساعدة لإدارة الإذاعة. أرجو أن تضع المال في هذا الصندوق، وعذرًا لأنّني مشغولة في الداخل مع المدير”.
أمّا هو فطلب المدير المسؤول، فاعترضت قائلة: “هو ليس موجودًا في الوقت الحاضر. كنتُ سأتَّصل به.” فألحَّ الطلب قائلاً: “قولي له إنَّ هناك شخصًا يودُّ رؤيته وهو سيبقى بانتظاره إلى أن يحضر”.
دخلت إلى مكتب المدير وأخبرته بما جرى معها، ولا تدري كيف تخرج من ورطتها. فاضطُرَّ المدير إلى الخروج معتذرًا من تصرُّف السكرتيرة. فقال له الرجل: “لا بأس. أتيتُ راغبًا بشدَّة أن أتكفَّل بكلِّ مصاريف الترميم وشراء الأجهزة، لكنَّني وجدتُ أنَّ الأمر لا يستأهل ما كنتُ سأقدِّمه”. وخرج من المبنى تاركًا المدير في حالة ذهول كبير…
كثيرًا ما ننخدع بالمظاهر. كثيرون يُضمرون عكس ما يُظهرون، وكثيرون يفعلون خلاف ما يقولون، وكثيرون يبدون بسطاء وهم في الواقع أذكى الأذكياء. والإنسان الحاذق هو الذي يعرف كيف يتصرَّف مع الجميع لئلاَّ يقع فريسة “الثعلب” المحتال أو يحكم خطأ على بريء ويدينه.
ما أشدَّ وقاحة إنسان يتصرَّف بالخطأ ويستمرُّ في الخطأ محاولاً تبرير تصرُّفه بأعذار واهية، فيكون عذره أقبح من ذنبه! وما أكثر أولئك الذين يقنعونك بأنَّ تصرُّفاتهم السيِّئة هي لأجل الخير أو تتميمًا لأوامر حرصوا على إتمامها، أو قيامًا بواجب مفروض عليهم… وما أحقر أولئك الذين يحكمون على الأشخاص من خلال مظهرهم الخارجيّ! فكم من غنيّ بسيط المبلس وكم من متعجرف يظهر بمظهر الأغنياء وهو لئيم بخيل.
أحسن البشر هو ذاك الذي يتصرَّف ببساطة متناهية، دون وجاهة ولا تعجرف، بلا حقارة ولا تزلُّف، يعطي كلَّ صاحب حقٍّ حقَّه، وينصف كلَّ إنسان بحسب أعماله لا بحسب أقواله؛ وأخيرًا، أسوأ ما في الإنسان أن يسيء الظنَّ بك وهو لا يعلم ما قد تفعله من أجله.