اجتماعات جدة بين الجنرالين المتحاربين … الباعث و المآل

أيمن سلامة – الأول نيوز –

 

أضحي السودان بين ليلة وضحاها يكابد ويلات أشرس حرب أهلية في التاريخ المعاصر بالرغم من عشرات النزاعات المسلحة غير الدولية – الحروب الأهلية – التي شهدها العالم منذ انهيار الإتحاد السوفيتي السابق في عام 1991 ،بيد أن السودان صار “جهيزة” التي تنبئك بأتون حرب الجنرالين المتشبثين بتلابيب السلطة منذ عام 2019 .

وفيما لا يرتسم في الأفق أي وقف لإطلاق النار، وفي ضوء المبدأ الراسخ ” البنادق تتحدث و الألسنة تصمت ” تستضيف المملكة العربية السعودية ، ولأول مرة ، المشاورات الأولية التي لا تهدف إلا لتأمين هدنة إنسانية فشل الجميع متحاربون ووسطاء دوليون في تأمينها المرة تلو المرة منذ الخامس عشر من أبريل هذا العام.

أفصحت وزارة الخارجية السعودية أن الغرض من هذه المشاورات الأولية بين الفريقين المتحاربين هو التوقيف المؤقت للعدائيات العسكرية الدائرة في السودان ، لأغراض إنسانية مختلفة منها بالطبع ووفقا لطبائع الأمور إغاثة الجرحى الموجودين في الميدان، ونقل جثثهم ودفنهم وتأمين ممرات إنسانية للاجئين والنازحين السودانيين .

جلي أن اتفاقات وقف اطلاق النار المؤقتة من هذا النوع هي اتفاق عسكري مؤقت وليست له صفة سياسية، ولا ينص في ذلك الاتفاق على شروط ذات طابع سياسي، خلافا لاتفاقات الهدنة- طويلة الأمد – ذات الطابع السياسي العسكري .

يَتسم الوقف المؤقّت للأعمال العدائية العسكرية بين المتحاربين بالمزيد من عدم الرسمية، ويمكن أن يكَون خُطوة أولية تجاه الوصول إلى اتفاق أكثر رسمية، وقد تفسر عبارة ” الوقف المؤقت لإطلاق النار ” بحسبانها مرادفة لعبارة ” الوقف المؤقت للأعمال العدائية ” أو “وقف إطلاق النار. “

أما بخصوص المساعدات الإنسانية وهي الغرض الأساسي من اجتماعات جدة ، فتخضع عملية تقديم المساعدات الإنسانية، بوجه عام، إلى عدد من المبادئ الأساسية، أهمها: يجب أن يكون الغرض من المساعدة الإنسانية منع أو تخفيف المعاناة الإنسانية، وحماية الحياة وضمان احترام الإنسان، وينبغي توفيرها لكل من يحتاج إليها دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر، وينبغي توفير المساعدة بصورة أولية في حالات الشدة الأكثر خطورة أو إلحاحا، ولا ينبغي توفيرها لتعزيز أي وضع سياسي أو ديني، ويجب أن تحترم المساعدة ثقافة وبنية وعادات المجتمعات والدول، وتتحدد آلية المساعدات الإنسانية بإنشاء “ممرات إنسانية”، وفقا لقرار الجمعية العامة (45/100) عام 1990، من خلال التنسيق ما بين الدول المعنية والدول المجاورة، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية.

في ذات السياق صارت “الممرات الإنسانية” مصطلحا شائعا في معظم النزاعات المسلحة، خاصة تلك التي يسمها القانون الدولي الإنساني “النزاعات المسلحة غير الدولية” مثل النزاع المسلح الدائر في السودان منذ السبت الماضي ، تمييزا لها عن النزاعات المسلحة الدولية التي تنخرط فيها الجيوش النظامية للدول، كما أضحى المصطلح يختلط بمصطلحات أخري يصعب أحيانا التمييز بينها.

يدل مصطلح الممر الإنساني علي منطقة خالية من الوجود العسكري، يقوم طرف ثالث بحمايتها عادة ما تكون قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، ويكون هذا الطرف خارج النزاع القائم، فيمكث المدنيون بعيدا عن الأخطار التي تهدد حياتهم، كما تعني مناطق خالية من الوجود العسكري يجري الإعلان عنها أثناء الاضطرابات أو نزاع مسلح بقصد حماية المدنيين، وإيصال المساعدات والخدمات الإنسانية لهؤلاء بواسطة طرف ثالث، كما ينصرف إلى المواقع والطرق والمعابر المتفاوض عليها بين أطراف النزاع من أجل نقل المساعدات للضحايا، فهي بذلك ممرات محددة في الزمن والنطاق الجغرافي تستخدم لضرورتها في توفير المساعدات والخدمات الصحية الأساسية، لا سيما الإمدادات بالغذاء والماء لصالح الأشخاص المتضررين من الحرب.

توفر الممرات الإنسانية حلا مثاليا للمنظمات الإنسانية فيما يتعلق بعملياتها من أجل توفير الحماية والمساعدة للذين يتضررون من جراء الحرب، حيث يتطلب موافقة كافة الأطراف المحاربة وكسب ثقتهم بالنسبة إلى تسليم المساعدات الإنسانية.

لقد جرى الاتفاق على مناطق توفر ملاذا آمنا للجرحى والمرضى والمدنيين في نزاعات مسلحة دولية وغير دولية، وعلى سبيل المثال أثناء حرب التحرير في بنغلادش ،والنزاعات المسلحة في كمبوديا ،وتشاد ،وقبرص ،ونيكاراغوا ،وسيريلانكا ،ويوغوسلافيا السابقة، وأنشئت معظم هذه المناطق بناء علي اتفاقات مكتوبة استنادا إلى المبدأ الذي يوجب عدم الهجوم علي المناطق التي تنشأ لتكون ملاذا آمنا للجرحى والمرضى والمدنيين، هذا ويتعين عدم مهاجمة المناطق التي لا تحوي إلا الجرحى والمرضى، أو أفراد الخدمات الطبية والدينية، أو أفراد الغوث الإنساني أو المدنيين، تطبيقا للقواعد المحددة التي تحمي هذه الفئات من الأشخاص، والتي تنطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

ختاما، لطالما صدقت نوايا الجنرالين المتحاربين وقواتهما في إيلاء المدنيين العزل أقصي حماية ، يمكن أن يفضي أي اتفاق مؤقت لأغراض إنسانية في ابرام اتفاق نهائي لوقف اطلاق النار مرتبط ومتسق بعملية سلام شاملة غير اقصائية في السودان .

عن Alaa

شاهد أيضاً

المملكة بين ذاكرة التأسيس ومسؤولية الامتداد

الأول نيوز – د. حسين سالم السرحان في مسيرة الدولة الأردنية لم يكن البناء السياسي …