هالة داوود –
الأول نيوز – تمر بعضُ الأحاديثِ علينا مرورَ الكرام فلا تترك فينا أثرًا ولا انفعالًا يُذكر.
ولا نلتفت إليها بمجرد انتهائها وحتى أحيانًا لا نلتفت إليها في لحظتها.
أما البعض منها فيا الهي ما أحلاه وما أشهاه، طول وصفه ويحلو .
دعوني أحدثكم عن هذه الأحاديث .
هنالك أحاديث تضيئ في دروب حياتك مصابيح لا تنطفئ، تحملها معك في طرقات الحياة إن أظلمت، تدلك على الدرب وترشدك إلى الطريق السوي الذي سيصل بك إلى نقطة ترضى بها وتسعد.
وهنالك أحاديث تنكأ في جراحك المختبأة تحت ركنٍ قاسٍ متحجر ٍ في قلبك، كما تنكأ الفاس أرضًا صلبة قاسية لكن باطنها ريانٌ خصب. تحبسك هذه الأحاديث مع جراحك التي مرت وذهبت واعتقدت لبرهةٍ أنها قد مضت في حال سبيلها لكنك لا تلبث أن ترى دموعك وهي تتزاحم في عنقك وعينيك وصدرك وتنهمر كثيرًا كثيرًا كثيرًا.
حديثٌ تتماسك الحروف فيه بكلاليب .. أو بمسامير مطروقة ببشاعة تلتوي رؤوسها بلؤم ونهاياتها مدببة ٌسامة، كلما حاولت المرور والابتعاد تنغرس فيك احداها وتجرحك ولا خلاص لك إلا أن تمر بجرح أو اثنين أو ربما أكثر إلى أن ينتهي درب ابتعادك ويختفي عن ناظرك .
حديث آخر تنبعث منه رائحة نتنة … مقززة … تعلم منها أن الفكرة كانت محفوظةً في مكان رطب ٍخبيثٍ حتى تعفنت وعلاها الدود وقرر صاحبها أن يخرجها لسامعيها لتثير لديهم ما يرغبون في رميه في أول سلة مهملات.
وأحاديث هي جنات بابل وعزف ناي … موج بحرٍ وكروم عنب …. فصول سنة تمرُ في حديث … وحصادٌ لا موسم له
حديثٌ تعود لك بسببه مَلَكَة السرد والحفظ … فأنى عدت لتتذكره …. تسرده بدقة …. تقرأه على مسامعك بصمت فتهدأ روحك ويخف ضجيج قلبك … لا تنسى منه حرفًا ولا تغفل منه عن كلمة.
حديث آخر تأسرك فيه مخارج الحروف وتمازج الأفكار … يُلهب فضولك …. يشدك إليه مرة وتتيه في فهمه مرة … تسأل نفسك ألف سؤال أهمها من أين أتى بما أتى ؟
وأهم هذه الأحاديث …. هي التي تكون بلا حروف وبلا كلام ….. حديث ليس بالحديث وكلام ليس بالكلام
هو سهام تنطلق من العين إلى العقل أو من العين إلى القلب فتتغير معها مسارات وقرارات وحوارات … أحاديث هي شيفرة لا يفك أسرارها سوى من امتلك قلبًا كقطرة ندى تتهادى على ورقة في صباح طاهر لا تحجب الرؤية وترى كل العالم من خلالها. أحاديث لا ترسلها إلى عين من يراك بقوة ولا سبيل له بأن يشيح بعينه قبل أن يقول لك ما يقول او أن يهمس لك ببوح قلبه.
لكلٍ منهم موسيقاه وألوانه …. لكلٍ منهم مكان خاص لحفظه …. لكل منهم ملمسه وعطره .
هالات….