الاول نيوز – جميل النمري
عرضت تركيا بكل رزانة دبلوماسية نفسها كوسيط خارجي بين الأطراف ودعت دمشق للحوار مع المعارضة وهي التي ترعى الفصائل المسلحة وتسيطر على جيب ادلب الذي انكفأت اليه في حينه الفصائل المندحرة امام الجيش السوري. ولا شك ان أنقرة هي من قررت الهجوم المباغت. وهذا ليس موضع شك اما السؤال فهو حول دور امريكا واسرائيل.
لنتذكر ان بايدن انهى اعلانه عن وقف اطلاق النار بعبارة تشجيعية لإسرائيل اذ قال ان هذا سيمكنها من اعادة التركيز على ايران وكرر نتنياهو العبارة نفسها في دفاعه عن قرار وقف اطلاق النار. ويمكن فهم ذلك انه التفرغ لملاحقة ادوات ايران في المنطقة فيبدو هجوم المليشيات المتطرفة من الشمال كأنه ترجمة حرفية لهذه الخطة.
ليس بالضرورة ان تنسيقا مباشرا وقع بين تل ابيب وواشنطن وانقرة لكن قنوات الدوائر الاستخبارية تعمل بخط مواز وتنقل الرسائل المشفرة ولا بد ان هذا كان يحدث طوال فترة المفاوضات على وقف النار في لبنان ولا بدّ ان تركيا كانت تتهيأ للفرصة الفريدة التي لاحت مصممة على اغتنامها فورا للانقلاب على اتفاقات خفض التصعيد ( أستانا) الذي قبلت به على مضض في ظل موازين القوى المائلة للنظام السوري المدعوم من روسيا وايران وحزب الله والحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لأكراد سوريا.
ربما تفاجأ الاتراك انفسهم بالنصر السهل والاستيلاء على حلب في ساعات والبعض يحب نظرية المؤامرة أي أن انسحابا بقرار قد تم على غرار انسحاب القوات العراقية من الموصل وتركها لداعش بقرار من المالكي. ولا ارى منطقا لهذا الرأي وهذه المقارنة. والمهم ان انعدام اي تعبئة أو جاهزية قتالية للجيش السوري اغرى الميليشيات بالتوسع والتقدم نحو حماة وبدا ان الطريق مفتوحة الى دمشق فصحت العواصم الحليفة مذهولة وحتى واشنطن وتل ابيب المعاديتان لنظام الأسد يخيفهما بالتأكيد ان تنتهي السلطة بيد هيئة تحرير الشام واخواتها.
روسيا وايران لن تسمحا بسقوط النظام في سوريا و تحتدم المعركة حول حماة بأشرس صورة وانقرة لا تستطيع التدخل بصورة سافرة وقد تفضل التحول الى جبهة المواجهة مع الاكراد في الشمال الشرقي والاكتفاء بما تحقق بإتجاه الجنوب اذا كان كافيا لاعادة دمشق للتفاوض. وعليه ثمة فرصة للتهدئة والذهاب الى المفاوضات او استمرار القتال الذي لن يحسم شيئا سوى المزيد من القتل والتدمير. وقد تعود داعش للمشهد مجددا وتعود سوريا مجّزأة الى مناطق سيطرة للميليشيات المتحاربة والمدعومة حسب المصلحة من قوى اقليمية ودولية وستكون بينها “إمارة حلب الاسلامية ” بزعامة الجولاني والمنشغلة بالحرب مع الاكراد للسيطرة على طول الحدود مع تركيا.
انها حرب أهلية دامية ومديدة دون حسم وعلى حساب شعب سوريا قتلا ودمارا وتشريدا. نهاية كارثية هي افضل وأقصى ما تريده اسرائيل.
نقول بكلمة واحدة أن على النظام في سوريا ان يستخلص الدرس وينتقل فورا الى رؤية استراتيجية جديدة بإستعداد حقيقي لإنهاء التفرد بالسلطة والتفاهم على تغيير حقيقي مستثمرا حاجة القوى الأقليمية وخصوصا تركيا وايران الى تسوية والدعم العربي الإجماعي المتشوق لحل يحفظ وحدة سوريا ومستقبلها. ولا بأس من التعامل بإيجابية مع الدعوة التركية للحوار والاستثمار في دور روسيا مع الطرفين للعودة لطاولة حوار حقيقي.
ويمكن للنظام اضعاف وزن التنظيمات المتطرفة بإنفتاح حقيقي على بقية المكونات السياسية من الشخصيات والقوى الوطنية والديمقراطية وايضا الكردية التي تتوق الى تفاهم مع النظام يحاصرالميليشيات الداعشية ويجدد بناء الدولة وفق دستور جديد .
ما حصل حتى الأمس ان النظام راوغ في مفاوضات الدستور الجديد والحل السياسي ولم يستفد قيراطا من الدعم العربي الذي اعاد العلاقات مع دمشق واستعادها للجامعة العربية بل تعامل بإستعلاء وتعنت حتى مع الاردن الذي لم ينجح في دفع دمشق للتعاون على الأقل في حماية الحدود وقضايا عالقة اخرى، هذا رغم الفشل الداخلي المريع في ادارة البلاد والاقتصاد وتفاقم المعاناة المعيشية وجمود مشاريع الدعم واعادة الاعمار التي كانت تنتظر الحلّ السياسي.
قد تبدو هذه دعوات مثالية لأن السياسة ستتبع الحسم العسكري على الارض. لكن الحسم العسكري مستحيل والان عادت كل العواصم طرفا مباشرا وكل جهة لا تقبل حسم المعركة لخصمها وربما الطرف الوحيد صاحب المصلحة في بقاء الحرب دون حسم الى ما شاء الله هي اسرائيل. وبالنسبة للنظام فموازين القوى بعد تنحية حزب الله بالكاد تسمح بصد القوات المهاجمة فما هو البديل لإنقاذ سوريا غير حل سياسي حقيقي برعاية دولية ؟!