د. خالد الحريرات البطوش – الأول نيوز – سارعت إيران بالرد على اعتداء إسرائيل الذي وقع فجر يوم الجمعة ودمر عدة منشآت عسكرية داخل أراضيها وطال بالاغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء الذين يعملون في برنامجها النووي، وإستنادا الى حقها بالرد الذي تكفله المواثيق الدولية وفور التخلص من هول الصدمة واستعادة توازنها قامت بإطلاق رشقات من الصواريخ والطائرات المسيرة على مواقع ومنشآت في الداخل الإسرائيلي الحقت اضرارا متفاوتة داخل المدن الإسرائيلية ثأراً لضحايا الاعتداء وانتقاما لكرامتها المكلومة وانتصارا لسيادتها المثلومة، ولكن الرد العسكري ليس الخيار الوحيد لدى القيادة الإيرانية فالغموض الذي يلف برنامجها النووي ويثير قلق الغرب وخوف إسرائيل يكشف مقدار الرعب من أن تكون إيران على وشك تخصيب اليورانيوم الصالح لإنتاج رؤوس حربية نووية بدون مساعدات تقنية او لوجستية جديدة وان لديها خطة بديلة لتفعيل هذا السيناريو ولا تحتاج في ذلك أكثر من الوقت ليكون التصعيد النووي أحد خياراتها، ولعل الاعلان الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبيل الضربة الأخيرة بان إيران لم تمتثل لالتزاماتها بالضمانات النووية تعبيرا اممياً عن هذه المخاوف، وهو الموقف الذي لم تفوته إسرائيل واتخذت من موعد نشره توقيتا مناسبا لهجماتها الأخيرة، وما يعزز هذا التفكير ان المتحدث الرسمي لمنظمة الطاقة الإيرانية كان قد ابلغ الوكالة الدولية بان طهران ستتخذ إجراءات محددة وفعالة أحدها هو إطلاق موقع ثالث آمن للتخصيب دون تحديده، فيما تشير التقارير الى رصد انشطه لبناء أنفاق في الجبال القريبة في فوردو ونطنز، وهذه المخاوف المتصلة بالبرنامج النووي الإيراني لم تبددها العملية العسكرية الأخيرة، فطبيعة بناء المنشآت النووية والسرية المحيطة بها والطبوغرافيا الممكنة لتحصينها تحت الأرض يجعل من ضربة او عدة ضربات غير كافيه للقول بتدميرها، وقد يحتاج مثل هذا الإنجاز الى قنابل خارقة للتحصينات تتطلب عمليات عسكرية موسعة ومتتابعه تتجاوز الضربات الخاطفة.
على مستوى المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية التي تجري في عُمان، أمام إيران خيار الانسحاب منها او تعليقها، ولكن الامر ليس بهذه البساطة فالوصول الى اتفاق يتيح تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية يخدم البرنامج الإيراني كثيرا ويؤدي الى رفع العقوبات، وربما شكل الحرص الأميركي على انتظام المفاوضات واستمرارها الى حد وصولها الى جولة سادسة امرا اثار حفيظة إسرائيل ودفعها الى التعجيل بالضربة الأخيرة خصوصا مع عدم حماس الرئيس الأميركي لمثل تلك العملية وعدم تردده في إبرام اتفاقيات جانبيه لا تروق للاسرائليين كما حصل في إتفاقه مع الحوثيين بتجنب استهداف الملاحة في مضيق باب المندب دون ان يتضمن الاتفاق حظر الصواريخ باتجاه إسرائيل، وفي جميع الأحوال وبدون مشاركة في الهجوم تجد الإدارة الاميركية في تلك الضربة فرصة لتزييت عجلة المفاوضات التي تبطء من دورانها السقوف الإيرانية العالية.
في المواجهة بين إيران وإسرائيل شكلت الهجمات السيبرانية جبهة نشطة، وكان وزير الاستخبارات الإيراني قد ادلى في تصريح سابق بانهم تمكنوا من الحصول على كنز من الوثائق الإسرائيلية السرية الخاصة بالبرنامج النووي والعلاقات الخارجية والقدرات الدفاعية وسيتم الكشف عنها قريبا كما ورد في صحيفة نيوزويك في التاسع من الشهر الجاري، وقد تبع ذلك نشر رسالة باللغة العبرية موجهة للاسرائيلين على موقع تواصل اجتماعي مرتبط بالجيش الإيراني تقول: ” الان نعرف كل اسراركم”، ولم يتضح فيما اذا كانت هذه الحادثة مرتبطة بالهجوم السيبراني الذي تعرض لم مركز الطاقة النووي الإسرائيلي عام 2023 وتبعه اعتقالات لاسرائيلين على خلفية اتهامهم بالتجسس لصالح ايران، ولكن يبقى هذا الملف ورقة مقلقة للاسرائيلين قد تستخدمها ايران في الوقت المناسب.
وعلى مستوى الاقتصاد يشكل النفط الجوكر الذي قد تلعب به ايران لخلق تهديد لاسواق الطاقة من خلال اغلاق مضيق هرمز ووقف تدفق ما يقارب 20 % من حاجة السوق العالمية للنفط، مما سيؤدي الى رفع الأسعار الى مستويات دراماتيكية، وقد لوحت ايران بهذا الخيار بالسماح برفع هذا الشعار في مسيرات لعشرات الالاف من المشاركين بمناسبة الذكرى السنوية للثورة الإسلامية التي جرى الاحتفال بها بتاريخ 11 من شهر شباط الماضي في اعقاب تزايد الضغط الأميركي على طهران في بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب.
يبقى استخدام إيران للميليشيات التي تدعمها في عدد من دول الإقليم لإطلاق صواريخ او مسيرات ضمن حزمة إجراءات الرد على الاعتداء الإسرائيلي، لكن هذا الخيار وان كان مزعجا لإسرائيل الا انه غير مؤثر خصوصا بعد تقويض قدرات اهم هذه الميلشيات واتفاقها مع لبنان على وقف اطلاق النار نهاية العام الماضي، ولعل هذا التطور يقنع القيادة الإيرانية بضرورة اجراء مراجعة عميقة لعلاقاتها بدول الاقليم واستبدال استراتيجية دعم الفصائل والميليشيات بمقاربة الامن الديناميكي الذي يعمق امنها ببناء علاقات مع الأنظمة الشرعية في تلك الدول على أسس من المصالح المشتركة واحترام السيادة.