د. أحمد الطهاروة – الأول نيوز –
في صباح يوم الخميس، فوجئ طلبة الثانوية العامة في المملكة الأردنية الهاشمية، وتحديدًا في الفرع العلمي، بورقة امتحان الرياضيات الأولى، التي جاءت صادمة بكل المقاييس، وأثارت جدلاً واسعًا في الأوساط التربوية والاجتماعية، لما شابها من صعوبات غير مبررة، لا تتفق مع أبسط قواعد القياس والتقويم التربوي، ولا تراعي الفروق الفردية بين الطلبة، ولا حتى الزمن المخصص للإجابة.
لقد أجمع نخبة من أبرز معلمي الرياضيات من مختلف محافظات المملكة، أن الورقة الامتحانية لم تكن موفقة لا في التصميم ولا في التدرج المنطقي، فجاءت مشحونة بمستوى عالٍ من التعقيد، وتطلبت مهارات تتجاوز ما تم تدريسه فعليًا في المدارس، وافتقرت إلى التوازن المطلوب بين الأسئلة السهلة والمتوسطة والصعبة، كما أنها لم تراعِ الوقت الممنوح للإجابة، ما جعل غالبية الطلبة يخرجون من القاعات وهم في حالة إحباط شديد.
اللافت أن هذه الملاحظات لم تصدر فقط عن المعلمين أو المختصين، بل جاءت أيضًا على لسان الطلبة أنفسهم، الذين عبّروا في مختلف المنصات الإعلامية والاجتماعية عن صدمتهم، مؤكدين أن الامتحان اتخذ طابعًا “تعجيزيًا” لا يُمكن أن يصدر عن جهة تربوية تهدف إلى التقييم العادل، بل بدا وكأنه اختبار صُمّم لإفشال الطالب، لا لقياس تحصيله العلمي.
وما زاد الطين بلّة، هو ما يتم تداوله همسًا وبصوت خافت في أوساط التعليم، حول وجود صراع غير معلن بين وزارة التربية والتعليم من جهة، والمنصات التعليمية الخاصة من جهة أخرى، نتيجة تغيّب عدد كبير من طلبة التوجيهي في المدارس الحكومية عن حضور الحصص الصفية، واعتمادهم شبه الكامل على المنصات الإلكترونية في التحصيل. ويُقال -إن صحّ القول– إن صعوبة الامتحان كانت بمثابة “رسالة” عقابية غير مباشرة لهؤلاء الطلبة، ليكونوا عبرة لمن لا يلتزم بالحضور المدرسي، وهو ما يُعدّ إن صحّ – تجاوزًا خطيرًا في مفاهيم العدالة التربوية.
في هذا السياق، علينا أن نُذكّر بأن الطالب ليس طرفًا في أي صراع بين المنظومات التعليمية التقليدية والحديثة، ولا يجب أن يُستخدم كأداة في أي تصفية حسابات مؤسسية، وإنّ تحميله تبعات إخفاق النظام التربوي في التكيف مع المتغيرات التكنولوجية أو المجتمعية، هو ظلم بيّن لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة.
وختامًا، لا بدّ من أن تتخذ وزارة التربية والتعليم موقفًا شفافًا، تُقرّ فيه بما حدث، وتعمل على معالجة آثار هذا الامتحان – سواء من خلال إعادة النظر في آلية التصحيح، أو في أسس التقييم، أو حتى دراسة إمكانية إجراء جلسة تكميلية عادلة – لأن كرامة الطالب وثقته بالمؤسسة التعليمية يجب أن تبقى مصانة فوق كل اعتبار. فالعدالة في التعليم لا تقتصر على توزيع الفرص، بل على ضمان أن تكون هذه الفرص ممكنة التحقيق، ومبنية على أسس إنسانية وتربوية رشيدة.