ضحايا منسيون الطفولة بين نيران الحروب وبطش الجوع

الأول نيوز – د. حسين سالم السرحان

لا شيء يكسرني كما تكسرني صورة طفل خائف، جائع، مصاب، أو حتى مريض. في ملامحهم تختبئ كل آلام العالم، ويبدو واضحًا أن الإنسانية غائبة عن قلوب كثيرين ممن يتحكمون في مصائر الدول والشعوب.
ورغم محاولاتهم تزيين خطاباتهم بلغة العدل والسلام، إلا أن أفعالهم تفضح واقعًا مؤلمًا تتكسر بسببه براءة الأطفال كنتائج حتمية للحروب والنزاعات.

بعض هؤلاء القادة ينتظرون ميلاد حفيد جديد، ويغمرون وسائل الإعلام بمظاهر الفرح والاحتفال، فيما تتساقط أجساد الأطفال الأبرياء هناك وهناك تحت وطأة آلاتهم العسكرية،

إنهم يحتفلون بالحياة، بينما يقتلون الحياة في أماكن أخرى، هؤلاء الضحايا من الأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا هناك، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلاح، ولا قانون يحمي، ولا ضمير يصحو.

لقد آن الأوان لأن يتوقف هذا الصمت الدولي المخزي. حماية الطفولة ليست رفاهية، وليست خيارًا سياسيًا، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية ينبغي أن يتشارك فيها الجميع، دون استثناء، ففي عام 2025، يعلن العالم مجددًا فشله الأخلاقي أمام الملايين من الأطفال الذين يُحرمون يوميًا من أبسط حقوقهم في الأمان والتعليم والرعاية الصحية، في ظل صراعات لا تعرف الرحمة.

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 473 مليون طفل – أي نحو 19% من أطفال العالم – يعيشون في مناطق نزاع حادة، وهي النسبة الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية. ومع نهاية عام 2024، بلغ عدد الأطفال النازحين بسبب الحروب والعنف نحو 48.8 مليون طفل، من بينهم 19.1 مليون لاجئ و29.4 مليون نازح داخليًا. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحدها، قُدّر أن أكثر من 12.2 مليون طفل قد تعرضوا للقتل أو الإصابة أو النزوح خلال أقل من عامين، أي بمعدل طفل نازح أو مصاب كل خمس ثوانٍ.

هذه الأرقام ليست مجرد ارقام إحصائيه بل تجسيد حي لمآسٍ إنسانية تمشي على الأرض، بأجساد هزيلة وعيون باهتة تبحث عن دفء أو مأوى.

لقد وثّقت الأمم المتحدة مئات الآلاف من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، تتضمن القتل، الترحيل القسري، التجنيد الإجباري، والاختطاف، إضافة إلى العنف الجنسي والهجمات على المدارس والمستشفيات. هذا العنف ليس عرضيًا أو عشوائيًا، بل في كثير من الأحيان ممنهج، يُستخدم كوسيلة ضغط سياسي أو أداة قمع عسكرية، في غياب محاسبة فعلية.

وبعيدًا عن تحديد المسؤوليات والدخول في صراع الجدليات، فإن الأطفال هم الأكثر تضررًا، وهم الضحايا الحقيقيون الذين يدفعون الثمن كاملاً، من فقدان الحماية والرعاية، إلى سوء التغذية، والحرمان من التعليم، وفقدان السند والملاذ الآمن. الأطفال في الفئة العمرية دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للخطر، فحتى إن نجوا من القتل المباشر، فإن آثار الحرب تلاحقهم في أجسادهم الغضة وعقولهم الصغيرة التي لا تفهم لماذا تحوّل عالمهم إلى جحيم.

ورغم تعدد المواثيق والاتفاقيات الدولية، من اتفاقية حقوق الطفل (CRC)، إلى البروتوكول الاختياري المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة (OPAC)، وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 1261 الصادر عام 1999، والذي يدين استخدام الأطفال في النزاعات ويؤكد على حماية المدارس والمستشفيات كمناطق آمنة، إلا أن هذه النصوص لا تزال حبرًا على ورق في كثير من مناطق النزاع، حيث تغيب المحاسبة وتُخرق القوانين الدولية دون رادع.

السؤال الذي يجب أن يُطرح بإلحاح: من يحاسب من؟ وكيف يستمر مرتكبو هذه الجرائم بلا مساءلة، بينما تتلاشى العدالة في زوايا الصمت الدولي؟

إن الطفولة في مناطق النزاع لم تعد فقط مهددة بالقتل أو الإصابة، بل بالضياع الكامل. فالطفل الذي يرى والدته تُقتل أمام عينيه، أو يُجبر على حمل السلاح قبل أن يتعلم القراءة، أو يبيت ليلته على ركام منزله، لا يمكن أن يكون سويًا دون تدخل دولي حقيقي، مدروس ومستدام. ما نحتاجه اليوم ليس فقط إدانات شكلية أو مساعدات موسمية، بل تحرك عالمي حاسم يضمن حماية الأطفال من براثن الحروب، ويفرض عقوبات واضحة على من يستخدمهم كدروع بشرية أو أدوات في صراعات الكبار.

إن إنقاذ الطفولة مسؤولية أخلاقية لا تسقط بالتقادم، ولا تُحل بالبيانات الصحفية أو المؤتمرات الدولية. ما نحتاجه اليوم هو صوت ضمير عالمي موحد، يعلو فوق الحسابات السياسية، ويعيد للإنسانية بوصلتها المفقودة. فالأطفال ليسوا أرقامًا في تقارير، ولا عناوين لقصص مأساوية مؤقتة. إنهم مستقبل هذا العالم، والعدالة الحقيقية تبدأ من حماية أضعف حلقاته: الطفولة.

عن Alaa

شاهد أيضاً

الغرب بين أوهام التفوق وديون الحضارة… خطاب الاستهزاء الأمريكي

صلاح ابو هنود – مخرج وكاتب –   الأول نيوز – حين يخرج مسؤول أميركي …