أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – في بداية التسعينيات، وبعد أشهر من إصدار صحيفة “الأهالي” عن حزب الشعب الديمقراطي الأردني حشد، حضر إلى مبنى الصحيفة الصغير شاب عراقي وسيم وهادىء وصامت، وقال إنه رسام كاريكاتور يبحث عن عمل وهو قادم حديثا من العراق.
استقبلناه بطريقة حميمية كأننا نعرفه منذ سنوات، لأننا شعرنا أنه يشبهنا جميعا، فوافقت إدارة التحرير على تعيينه براتب متواضع، وبعدها اكتشفنا أنه لا يملك مسكنا فاقترحنا عليه أن ينام في إحدى غرف الصحيفة واستمر به الحال هذا أكثر من ثلاث سنوات.
المبدع تظهر علامات التفوق عليه فورا، واكتشفنا أن كفاح محمود رسام محترف، يمتلك خطوطا في الرسم لا يتقنها غيره، كما ان موقفه السياسي والفكري منسجمان مع خط الصحيفة والحزب.
كان كفاح محمود ابن فقر مدقع، أمضى سنوات عمره وهو يأكل السردين والبصل حتى يوفر ما يحصل عليه من مال لتأمين كرامات أهله في العراق، وهذا الأمر فرض عليه أن لا يتزوج حتى يبقى مساندا لأهله.
عشقت كفاح محمود جدا، وكان دائم الزيارة لمنزلنا في الفحيص بعد أن تعرف إلى رحمة والدي الذي أحبه كثيرا بعد ان اكتشف كفاح ان والدي من غير المفتونين بصدام حسين.
ذهبت إلى دولة الكويت في 2007 للعمل في صحيفة “أوان” الكويتية برئاسة المفكر الدكتور محمد الرميحي، وكان مدير التحرير العراقي عدنان حسين رحمه الله، ففاجأني بعد أيام بقوله أن صديقك كفاح محمود سيلتحق بنا خلال أيام، وحضر كفاح إلى الكويت واستمرينا في العمل معا نحو ثلاث سنوات كانت من أمتع سنوات العمر.
ليلة أمس فاجأتني الزميلة في “أوان” الشاعرة السورية أميرة القصير بخبر موت كفاح في امستردام، وبعثت الي منشورا كتبه شخص يدعى صالح حسن فارس يطلب فيه من السفارة العراقية في هولندا ونقابة الفنانين في العراق أن يتواصلوا مع بلدية أمستردام لإجراء مراسيم تشييع ودفن الفنان العراقي كفاح محمود الريفي في أمستردام..وقال غادرنا بصمت، اليوم ، ذهبت إلى بيته في شمال مدينة أمستردام ، وعلمت بخبر وفاته من جيرانه، كانت لحظة صادمة ومؤلمة لا تنسى.
وأضاف ببالغ الحزن والأسى، اعلن وفاة صديقي فنان الكاريكاتور العراقي “كفاح محمود الريفي”، الذي توفي في أحد مستشفيات أمستردام قبل ثلاثة أيام، بعد معاناة مع المرض، لكن للأسف، لم يكن هناك من يعرف بخبر وفاته من أقاربه أو أصدقائه..قبل أكثر من شهرين، توقف كفاح محمود الريفي عن الاتصال بأهله واصدقائه في العراق وهولندا، ومنذ ذلك الحين كان الغياب والانعزال رفيقه “..
آه يا كفاح ما أقسى أوطاننا، هربت من العراق لتعشق الأردن وعمّان وتقيم وتعمل فيها سنوات في عدة صحف، وتركتنا من دون وداع لنكتشف أنك رتبت أمورك مع المعارضة العراقية للحصول على جواز سفر هولندي، وهذا كان حلمك حتى تتحرك في العالم بسهولة.
موتك المفاجىء يا رفيق أوجع قلبي وبتأكيد أوجع قلوب كل من عرفك، فقد كنت من الأشخاص الذين لا يمكن ان تعرفه وتتخلص من التعلق به.
أمضيت حياتك وأنت تعيش لغيرك، لأهلك الذين كانوا بالنسبة لك الشيء المقدس ولا تقبل ان يمسهم الفقر والحاجة وأنت على قيد الحياة، فمنحتهم حياتك كلها.
كفاح محمود عليك رحمة الله وعلينا جميعا وما بدلت تبديلا…
الدايم الله….