الاول نيوز – د. حسين سالم السرحان
أوجعني ما تتعرض له الأحواز العربية من سياسات تمارسها سلطات الاحتلال الإيراني تحت لافتات “الترميم” و”الحفاظ على التراث”، في وقت لم يعد خافيًا أن ما يُنفَّذ على الأرض هو مشروع ممنهج لتفكيك الهوية العربية الأصيلة، وإعادة تشكيل الذاكرة الجماعية للأحوازيين بما يخدم الرواية الفارسية ذات البُعد الاستعماري.
ففي مدينة العميدية، شمال الأحواز المحتلة، أعلنت دائرة التراث الثقافي والسياحة الإيرانية عن مشروع لترميم عدد من المواقع التاريخية، وفي مقدمتها مسجد دروازه، أحد أقدم المعالم الإسلامية في المنطقة.
وفي الظاهر، تبدو هذه الخطوة “حضارية”، لكنها في حقيقتها محاولة لإعادة رسم الملامح العربية بفرشاة فارسية باهتة، محمّلة بأجندات أيديولوجية خطيرة.
إن إزالة الإضافات العمرانية، وإعادة النمط المعماري وفق الرؤية الرسمية الإيرانية، ليس عملاً بريئًا، بل هو تجريدٌ للمكان من طابعه العروبي، ومن روح الطين الأحوازي، ومن بصمة الأجداد التي ما زالت تتحدث على جدران المساجد، وفي الأزقة، والبيوت، والمآذن.
ما يحدث في الأحواز ليس “ترميمًا”، بل إعادة إنتاج للهوية بما يتماشى مع مركزية ثقافية ترفض الاعتراف بوجود العربي كفاعل أصيل في المكان، بل تحصره في صورة “فولكلورية” تصلح للعرض لا للعيش، وللتوثيق لا للتنمية.
لقد طال الإهمال المتعمد معالم الأحواز لسنوات، وعندما قررت السلطات الإيرانية الالتفات إليها، لم يكن الدافع إنقاذها من التهالك، بل توظيفها لخدمة خطاب ثقافي مركزي يُقصي كل ما هو عربي، ويستبدله برموز وتفاصيل دخيلة على المكان والناس والتاريخ.
إنه لمن المؤلم أن تُخصص الميزانيات لإزالة ما تبقى من الملامح العربية تحت عنوان “الصيانة”، في حين تُترك الأحياء القديمة في العميدية وغيرها تنهار بصمت، وتُهجر المساجد، والحمامات، والأسواق، والبيوت التراثية، في مشهد من الإهمال المقصود.
فالتراث ليس مجرد حجارة، بل هوية وروح. وترميمه لا يكون بإخفاء معالمه، بل بإحيائه بما يليق بجذوره وأهله.
وما نشهده اليوم هو إعادة كتابة للذاكرة الجمعية بما يخدم مشروعًا استيطانيًا ثقافيًا بامتياز.
إن الأحواز، بتاريخها الممتد عبر آلاف السنين، ليست مساحة يمكن تلوينها بقرار إداري، بل أرضٌ حيّة وذاكرةٌ عصيّة على المحو، وإن تأخر الانتصار لها.
ولعل من أبلغ ما قيل: “من ثمارهم تعرفونهم” — وها هي ثمار هذا المشروع ليست سوى محاولات طمس، لا إحياء، وتزييف لا ترميم.
فلْتصمت الرواية الزائفة،
ولتعد الأحواز إلى وجهها العربي، بكل لغتها، وزخرفها، وملامحها الطينية، وناسها الذين لا تنحني جباههم إلا لله.
وختامًا، فإن الدفاع عن الهوية الأحوازية لم يعد خيارًا، بل واجبًا.
وعليه، فإننا نناشد المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الإنساني، وعلى رأسها اليونسكو، والمؤسسات الحقوقية والثقافية العربية، أن تتحرك لتسجيل المواقع الأحوازية الأصيلة، وضمان صيانتها وفقًا لأصولها التاريخية والثقافية، لا وفق رواية من يحتلون الأرض.
أنقذوا الأحواز… واحفظوا وجهها العربي.