الحكومة بين التشكيل و التعديل : أزمات متراكمة وطموحات الإصلاح !!!!

الأول نيوز – محمد قاسم عابورة –

تشكّلت حكومة الدكتور جعفر حسان وسط  وضع اقتصادي وسياسي واجتماعي مثقل بالتحديات ، واضعة على عاتقها مهمة الموازنة بين متطلبات الإصلاح الهيكلي وضغوط الواقع  ،  ورغم ما أعلنته من طموحات وبرامج ، خصوصاً في ملف التحديث الاقتصادي، يبقى السؤال: هل تحوّلت هذه الطموحات إلى إنجازات ملموسة ؟

بعد أحد عشر شهراً من تشكيلها ، أقدم الرئيس  على تعديل وزاري واسع ، وصف بأنه يهدف إلى تعزيز الكفاءات وتسريع وتيرة التنفيذ، بالتزامن مع إطلاق البرنامج التنفيذي الثاني لرؤية التحديث الاقتصادي . لكن هذا الإجراء يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مصير البرنامج التنفيذي الأول: ما حصيلته الفعلية؟ وهل تم تحقيق مؤشرات قابلة للقياس؟ والأهم، هل يمتلك الفريق الجديد رؤية  وأدوات كافية لقيادة مرحلة أكثر تعقيداً، خاصة في ظل غياب نتائج واضحة للمرحلة السابقة ؟  وللإجابة بموضوعية ،  يمكننا الرجوع إلى البيانات الرسمية ، خاصة تلك الصادرة عن البنك المركزي الأردني ، والتي تشكل مرجعية محايدة لتقييم الأداء :

بحسب ارقام البنك المركزي ،  تظهر المؤشرات الاقتصادية خلال فترة حكومة جعفر حسان مسار  مثير للقلق ، رغم محاولات الحكومة تقديم صورة إيجابية ، فمنذ النصف الثاني لعام 2024 وحتى منتصف 2025، تُظهر البيانات تراكمًا للتحديات الهيكلية ، مع غياب استراتيجية واضحة لمعالجة الاختلالات المالية والاقتصادية فقد ارتفع معدل التضخم من 1.6% في الفترة (كانون الثاني–أيلول 2024) إلى 1.98% (كانون الثاني–حزيران 2025) ، وهو ما يعكس ضغوطًا على القوة الشرائية للأسرة الأردتية ، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية ،  ورغم أن النسبة تبدو متواضعة ، إلا أنها تُترجم إلى مزيد من الإفقار في ظل غياب سياسات الحماية الإجتماعية.

أما النمو الاقتصادي، فشهد تحسنًا طفيفًا من 2.2% في النصف الأول من 2024 إلى 2.7% في الربع الأول من 2025، لكنه يبقى نموًا هشًا، لا يكفي لامتصاص البطالة المتزايدة أو تخفيف العجز في الموازنة ،  بل إن هذا النمو قد يكون مرتبطًا بتحسن مؤقت في بعض القطاعات ، دون أن يعكس تحولًا هيكليًا في الاقتصاد.

كذلك تفاقم  عجز الموازنة من -4.8% من الناتج المحلي الإجمالي (كانون الثاني–تموز 2024) إلى -5% (كانون الثاني–أيار 2025)، وهو اتجاه ينذر بمخاطر عدم استدامة المالية العامة ، خاصة مع استمرار الاعتماد على الاقتراض . وفي السياق ذاته ، ارتفع عجز الحساب الجاري من -6.8% إلى -7.7% خلال الفترة نفسها، مما يؤكد ضعف القدرة التنافسية للاقتصاد واعتماده المفرط على الواردات .

لقد زادت الاحتياطيات الأجنبية من 20.2 مليار دولار (أيلول 2024) إلى 22.1 مليار دولار (حزيران 2025)، لكن هذا الارتفاع لا يعكس بالضرورة تحسنًا في الهيكل الإنتاجي، بل هو نتيجة استدانة خارجية أو تحويلات مؤقتة ،  في المقابل ، قفز الدين العام من 43.1 مليار دينار (تموز 2024) إلى 46.3 مليار دينار (أيار 2025)، أي بزيادة تفوق 3 مليارات دينار في أقل من عام ، مما يضع علامات استفهام كبرى حول كفاءة الإنفاق الحكومي واستدامة السياسة المالية .

ومما تقدم تُظهر المؤشرات أن الحكومة فشلت في كسر الحلقة المفرغة للاقتصاد الأردني ، فالمشهد يكرر نفسه !! نمو ضعيف، وعجز مزمن، ومديونية متصاعدة ،  فزيادة الدين العام بهذا التسارع ، دون تحسين جودة النمو أو خفض العجز الهيكلي ، تعني تحميل الأجيال القادمة أعباء سياسات غير مدروسة . كما أن الارتفاع الطفيف في الاحتياطيات لا يعوّض عن غياب إصلاحات جذرية في نظام الضرائب أو دعم القطاعات الإنتاجية .

ورغم إدخال وجوه جديدة في التعديل الوزاري، فإن النجاح لا يُقاس بتغييرالأسماء وتبديل الوجوه تبقى العبرة في النتائج . فالإصلاح ليس ترفاً سياسياً بل ضرورة وطنية ، ولا يقاس بالخطابات والوعود بقدر ما يُقاس بالأثر المباشر على حياة المواطنين  ، وعلى مدى جاهزية الحكومة الذي يحدد مصير مسيرة الإصلاح في الأردن ، حيث ان أن الإصلاح ليس شعاراً ، بل مساراً عملياً يتطلب إرادة سياسية وخططاً واضحة وقدرة على التنفيذ ، و الفجوة بين الطموح والواقع لا تُردم بتغييرات شكلية ، بل من خلال حوكمة الإصلاح لا الاكتفاء بالحديث عنه .

حتى الآن ، تميل الحكومات إلى إدارة الأزمات بأسلوب “الترقيع” لا المعالجة ، وهذا ما يهدد بتآكل الثقة في الاستقرار المالي على المدى المتوسط . والتحدي الحقيقي هنا  لا يكمن في التفكير لإعادة إختراع العَجَلَة ، بل في إثبات القدرة على قيادتها بثبات نحو أهداف واضحة .

عن Alaa

شاهد أيضاً

غزة: هولوكوست جديد في زمن ازدواجية المعايير

لواء مهندس هاني ابو زيد – الأول نيوز – في زمنٍ يُفترض أن تكون فيه …