الأول نيوز – الدكتور محمود المساد
تذكَّر يا هذا، أن مَرَقَك نتِن، وقلبَك عَفِن، وداعِميك من سقط البشر…
فتمّعن ودقّق فيما أقول:
نحن نستخدم اسم المارق، والمارقة للفرد، أو المجموعة بكثرة في حياتنا، كما نستخدمها اسم لجماعة، أو أكْلة، كما نستخدمها أحياناً صفة سلبية، أو شتيمة لأي قَوام مائع، أو ما شاكل ذلك، فنقول: مِرق للصوف النتن، ومَرقة للماء الدسم بعد غلي اللحم به، ومَرَق أي نَفَذَ بسرعة. وأحيانا تُعّد هذه الصفة من أقذع الصفات لمترادفات ليست متشابهة، مع أن الجذع المشترك بينها واسع، وعميق مثل: وغد، ومحتال، ووقح ، وشرير يفعل الشر عمدًا.
ويذهب معنى”مارق” إلى خروج الشخص عن الدين، أو القانون، أو العرف السائد، وإلى من يرفض طاعة الأوامر، ويتصرف بشكل فردي، وإلى السهم النافذ الذي لا يتعرج في مساره عندما يتجه نحو هدفه،كما يذهب المعنى إلى الشخص المتمرد الذي غالباً ما يتصرف بطريقة غير متوقعة، أو خطيرة “.
وفي الحقيقة، علينا أن نتأمل في حالة هذا الرجل المارق الذي يندفع بقوة، وسرعة، وتهور، وحنق دون حساب المترتبات، ولماذا يحمل كل هذه الخصائص، والصفات البشعة القاسية؟ ومن ساعده في الوصول إلى مثل هذه الحالة؟. وهنا نكتشف أن مصادر هذا المروق تنبع من مصدرين: الأول ممن ضغط على زناده وأطلقه، والآخر: ممن مهد له الطريق، ويسّر وصوله إلى هدفه آمنا ليصيبه بمقتل. وهنا مربط الفرس، خاصة المصدر الآخر باعتبار أن الأول هو مشروعهم، وفرس رهانهم، ومطيتهم لتحقيق مصالحهم، والمحافظة عليها.
وعند التبصر والتحقيق فيمن مهد له الوصول إلى مروقه الوغد، نكتشف للأسف أن ضعفنا، وهواننا، وخنوعنا، هي الأمور التي شجعته على ذلك، وجعلته مارقا، حيث فرشنا له رقابنا، وظهورنا طريقا ناعمًا سهلا، لا يعكر له صفو، ولا يتأخر له سهم. وهنا نرفع الأكف للسماء ونقول: يا الله كيف نستطيع الحد من تهوره!! ومن يستطيع معنا لجمه، و إعادته عن مروقه.
بصراحة يا قوم، أقولها بحق: ما نفعله حتى الآن، ونقوم به ليس إلا أضعف الإيمان، وهذا لن ينقذنا، ولن يحقق لنا هدفا، فهو توكل على الله دون عمل، وطلب للدعم من آخرين في غير محله…. فكيف نطلب الدعم من الآخرين، وأرضنا ومعابرها تحت تصرفهم، ومالنا ودماؤنا مستباحة لهم دون مقابل. أليس فينا من رشيد؟!! أم ننتظر حتى ترفضنا أرضنا، أو نتمنى عليها كي تدفننا في بطنها !!
وهكذا ليس المأزق في من مرق ويده على الزناد، وأمعن في القتل، بل فيمن أعطاه السلاح، ووفر له الحماية، وصمت عن أفعاله وشجعه؛ فهو أكثر “مراقة” منه!!!
