هدير الشعوب

الأول نيوز -صلاح ابو هنود –
مخرج وكاتب

تفيض شوارع العالم هذه الأيام بمدٍّ إنساني غير مسبوق؛ ملايين من البشر خرجوا من مختلف القارات ليهتفوا باسم فلسطين، ويرفعوا راية الحق في مواجهة آلة القتل والإبادة. هذا المشهد ليس عابرًا، بل هو تصحيح لمسار التاريخ الذي حاولت القوى الاستعمارية والاحتلال طمسه لعقود.
لقد فرضت الشعوب خطابًا جديدًا على العالم: الضحية لم تعد متهمة، والجلاد لم يعد محصنًا. وفي الوقت الذي تنحني فيه حكومات كبرى أمام نفوذ المال والسلاح، يقف الإنسان العادي، الطالب والعامل والمثقف، ليعلن رفضه للظلم.
لم تكن الجماهير يومًا عنصرًا هامشيًا في حركة التاريخ، بل كانت القوة التي تقلب المعادلات. فمن الجزائر خرجت الملايين في مظاهرات عصفت بالاستعمار الفرنسي حتى نالت استقلالها. وفي فيتنام تحوّل غضب الناس إلى طوفان حاصر الجيوش الأميركية وأجبرها على الانسحاب. وفي جنوب أفريقيا كان ضغط الشارع العالمي، مع مقاومة الداخل، هو الذي حطم جدار الفصل العنصري وأسقطه إلى الأبد.
هذه السوابق التاريخية تؤكد أن صوت الجماهير ليس صرخة عابرة، بل طاقة قادرة على تغيير مسار التاريخ مهما طال الزمن. والأمل اليوم أن ينعكس هذا الزخم الشعبي العالمي على فلسطين، فتتحول الهتافات والاعتصامات إلى قوة تضغط وتكشف زيف الاحتلال وتفرض على العالم الاعتراف بالحق الفلسطيني.
لكن المفارقة القاسية أن البرلمانات والحكومات – بما فيها العربية – لا تزال تتلعثم بين الصمت والتواطؤ. كأنها لم تسمع هدير الملايين في الساحات، أو كأنها تعيش في زمن آخر. هنا يكتمل التناقض: الشعوب تنطق بالحق، والأنظمة تبيع الوهم.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد مظاهرات، بل شهادة تاريخية على أن فلسطين ليست وحدها، وأن مسيرة الحرية طويلة لكنها لا تُهزم. فالتاريخ لا يكتبه الأقوياء دائمًا، بل يكتبه من يصمد ليحمل الحقيقة حتى النهاية.

عن Alaa

شاهد أيضاً

ماذا حمل الاستفتاء الإسرائيلي ؟!

محمد داودية – الأول نيوز – قام الكيان الإسرائيلي، سنة 1948، على 250 مذبحة، ومذبحة …