الاعتراف الدولي بدولة فلسطين… بين الشرعية القانونية والعدالة المؤجلة

الأول نيوز – د. أحمد الطهاروه – محامٍ وباحث في القانون الدولي –

الأول نيوز – في خضمّ التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم، يطفو مجددًا على سطح السياسة الدولية سؤال العدالة الغائبة: هل أصبح الاعتراف بدولة فلسطين مسألة سياسية فقط، أم أنه استحقاق قانوني مؤجل نصّت عليه قواعد القانون الدولي منذ عقود؟
منذ إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر عام 1988، والعالم يتعامل مع فلسطين باعتبارها “حالة سياسية قيد التشكل”، لا كدولة مكتملة الأركان. لكن السنوات الأخيرة حملت تحوّلًا واضحًا في المواقف الدولية، إذ ارتفع عدد الدول التي اعترفت بفلسطين إلى أكثر من 145 دولة، بينها إيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا حديثًا، في خطوة أوروبية غير مسبوقة منذ عقود.
القانون الدولي لا يعترف بالاحتلال كمبرر لإلغاء صفة الدولة، بل العكس تمامًا، فهو يمنح الشعوب الخاضعة للاحتلال حقًّا أصيلًا في تقرير مصيرها واستعادة سيادتها. وبحسب اتفاقية مونتفيديو لعام 1933، فإن قيام الدولة يتطلب أربعة عناصر: شعبًا، وإقليمًا، وحكومة، وقدرة على إقامة العلاقات الدولية. وكل هذه العناصر متحققة في الحالة الفلسطينية: شعب دائم الإقامة، وإقليم واضح المعالم (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية)، وسلطة وطنية تمارس مهامها، وتمثيل دبلوماسي واسع في العالم.
الاعترافات الأوروبية الجديدة ليست مجرد مواقف رمزية، بل هي تطور قانوني وسياسي له أثر مباشر في إعادة تشكيل معادلة الشرعية في الشرق الأوسط. فكل دولة تعترف بفلسطين تؤكد مبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة، وترفض ضمنيًا سياسات الضمّ والاستيطان التي تنتهك قرارات مجلس الأمن رقم (242) و(338). كما أن هذا الاعتراف يعزز قدرة فلسطين على اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة الجرائم المرتكبة في الأراضي المحتلة، وهو ما يشكل تحولًا نوعيًا في مسار المواجهة القانونية مع الاحتلال.
الاعتراف الدولي لا يُنهي الاحتلال، لكنه يُقيد آثاره قانونيًا ويمنح الشعب الفلسطيني أداة دفاع شرعية على الصعيد الدولي. فالمادة (41) من مشروع لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول تلزم جميع الدول بعدم الاعتراف بأي وضع ينشأ عن انتهاك جسيم للقانون الدولي، وهو ما ينطبق على الضمّ الإسرائيلي للقدس والمستوطنات في الضفة الغربية.
من هذا المنظور، فإن الاعتراف بفلسطين ليس “مجاملة سياسية” بل واجب قانوني وأخلاقي على المجتمع الدولي بأسره، التزامًا بمبدأ تقرير المصير المنصوص عليه في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.

عن Alaa

شاهد أيضاً

عبقرية اللغة: مُعجَميًون ومّجمعيون!

د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   في محاضرة بعنوان: فيزيائي يتحدث عن اللغة، …