د. أحمد الطهاروه – الأول نيوز –
في مشهدٍ يؤكد أن الأردن دولة قانون ومؤسسات، لا مكان فيها للعبث أو الفوضى، أصدرت محكمة أمن الدولة مجموعة من الأحكام في قضايا أمنية خطيرة، جاءت لتؤكد أن العدالة الأردنية ماضية في نهجها بثباتٍ وشفافيةٍ وعدلٍ لا يعرف المساومة.
فقد قضت المحكمة بمعاقبة المتهمين في قضية تصنيع الصواريخ بالأشغال المؤقتة لمددٍ تتراوح بين سبع سنواتٍ ونصف إلى خمس عشرة سنة، فيما أصدرت أحكامًا بحق ستة متهمين في قضيتي التجنيد والتدريب بالأشغال المؤقتة لمدة ثلاث سنواتٍ وأربعة أشهر. أما في قضية الطائرات المسيّرة، فقد قررت المحكمة عدم مسؤولية أربعة متهمين عن التهم المسندة إليهم، وأمرت بالإفراج عنهم، في خطوةٍ تجسد نقاء القضاء واستقلاليته.
تُبرز هذه الأحكام أن محكمة أمن الدولة الأردنية ليست أداة قمع أو انتقام، كما قد يروّج البعض، بل هي مؤسسة قضائية وطنية متخصصة، تعمل ضمن حدود القانون ووفقًا لإجراءات عادلة تضمن للمتهمين حقوقهم كافة. فهي، في جوهرها، توازن بين مقتضيات الأمن العام وضمانات العدالة الفردية، فلا تُدين إلا من قامت الأدلة القاطعة على تورطه، ولا تُفرج إلا عن من ثبتت براءته.
وهذا التوازن الدقيق هو ما يميّز القضاء الأردني عن غيره في المنطقة، ويمنحه ثقة الداخل واحترام الخارج.
في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة، من اضطرابات سياسية إلى تمدد جماعات خارجة عن القانون، يأتي موقف الدولة الأردنية واضحًا لا لبس فيه:
لا تهاون مع من يهدد أمن الوطن، ولا حماية لمن يعبث باستقراره.
القضايا التي نظرت فيها المحكمة — من تصنيع أسلحة إلى تجنيد وتدريب سري — ليست أحداثًا عابرة، بل هي محاولات خطيرة تمسّ الأمن الوطني وتستهدف تماسك المجتمع. ولذلك فإن الأحكام التي صدرت ليست مجرد إجراءات قضائية، بل هي رسائل ردع قانونية ووطنية لكل من تسوّل له نفسه المساس بالأردن، أرضًا ونظامًا وشعبًا.
من اللافت في هذه الأحكام أن المحكمة لم تُغلق الباب أمام العدالة، بل فتحت نافذتها للإنصاف. فحين قررت عدم مسؤولية أربعة متهمين في قضية الطائرات المسيرة، كانت تُرسل رسالة للعالم أن العدالة الأردنية لا تُبنى على الظن، ولا تُسيّس وفق المواقف، بل تُقام على بينات، وتُدار بعقول قضاتها وضمائرهم.
هذه الشفافية ليست ضعفًا، بل هي قوة الدولة التي تثق بنفسها وبنظامها القضائي، قوة لا تحتاج إلى استعراض، بل تُثبت حضورها بالعدل والاتزان.
تُعيدنا هذه الأحكام إلى حقيقةٍ جوهريةٍ رسّخها الملك عبد الله الثاني في كل خطاباته، حين أكد أن “سيادة القانون هي الضامن الأول لاستقرار الدولة وحماية كرامة المواطن.” ففي الأردن، الأمن ليس قيدًا على الحرية، بل درعها الحامي. والعدالة ليست شعارًا سياسيًا، بل منهج حكمٍ وضمير وطن.
ولهذا، تبقى محكمة أمن الدولة — رغم ما تواجهه من ملفات شائكة ومعقدة — منارةً قضائيةً راسخة، تقف في وجه التهديدات بكل حزمٍ، لكنها لا تنسى أن العدالة تبقى أسمى من كل اعتبار.
الأردن اليوم يواجه رياح التحديات الإقليمية بثباتٍ وثقةٍ، لأن أمنه ممسوك بيد القانون لا بالعصا، ولأن قضاءه هو صمام الأمان في زمنٍ تخلط فيه السياسة بالأمن، والحق بالقوة. إنها أحكام تكتب فصلاً جديدًا في سجل الدولة الأردنية الحديثة: فصلًا عنوانه العدل… ثم العدل… ثم الوطن.