الدور الصيني القادم في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية؟

 
د. شهاب المكاحله-
 
مع وصول قوات خاصة صينية إلى ميناء طرطوس على الساحل السوري، وذلك من أجل محاربة “حركة تركستان الشرقية الإسلامية”، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام دولية مؤخراًفي الوقت الذي تستعد فيه القوات الروسية والأميركية لمغادرة سوريا، فإن هناك تساؤلات كثيرة حول سر توقيت انسحاب واشنطن وموسكو من سوريا مع نهاية الشهر الجاري وقدوم قوات خاصة صينية؟
إن من شأن المشاركة الصينية الجديدة في سوريا أن تؤدي إلى مزيد من المنافسة بين واشنطن وبكين. ويعود السبب إلى أن الصين شعرت بقلق بالغ ازاء العدد الكبير من المسلحين من أصل صيني والتي تعرف بـ (حركة تركمانستان او ما يسمى الإيغور) الذين انضموا إلى “داعش” فى كل من سوريا والعراق على الرغم من أن الصين لا تتدخل فى أى دولة ما لم لكن لها مصالح اقتصادية.
واليوم ومع وصول وحدتين من القوات الخاصة الصينية المعروفة باسم “نمور سيبيريا” و”نمور الليل” لمحاربة الفصائل الإرهابية في الغوطة الشرقية (ضواحي دمشق) فإن بكين تسعى إلى محاربة هؤلاء خارج أراضيها خشية عودتهم لأن هؤلاء ممن  ينتمون لـ “حركة تركستان الشرقية الاسلامية” التي تتواجد في إقليم شينجيانغ يشكلون خطراً وجودياً على وحدة الأراضي الصينية.
ويقدر عدد المسلحين الصينيين الذين يقاتلون إلى جانب الجماعات الارهابية في سوريا بنحو 5 آلاف شخص. لذلك فإن مشاركة الصين في العمليات العسكرية ضد هؤلاء المسلحين تعود إلى المصالح الصينية الخاصة في سوريا ناهيك بالمصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية. فعودة هؤلاء المقاتلين الصينيين من  سوريا إلى الصين بإيديولوجيتهم المتطرفة والإرهابية والجهادية يعني خطراً أمنيا وعسكرياً كبيراً على الاقتصاد والمجتمع الصيني. وعلاوة على ذلك، فإن مشاركة الصين في الحملة اليوم ضد الإرهابيين تأتي لحماية مصالحها في سوريا اقتصادياً إذ تستثمر الصين عشرات البلايين من الدولارات في البنية التحتية السورية.
لا تريد الصين أن تصبح سوريا ملاذاً أو مركزاًللإيغور لشن هجمات إرهابية ضد المواطنين والمصالح الصينية في الخارج. وبسبب تفجير السفارة الصينية في قرغيزستان في 30 أغسطس / آب 2017، والذي تبنتهحركة “تركستان الإسلامية” وموله تنظيم “النصرة” في سوريا، كان ذلك مبرراًللقوات الصينيةللتوجه إلى سوريا لأن حركة “تركستان”لن تتوقف عند هذه المرحلة، بل ستضاعف من هجماتها ضد المصالح الصينية أينما وجدت. ويرى بعض المحللين السياسييين أن مشاركة قوات روسية وصينية في سوريا تشبه إلى حد كبير مشاركة القوات الأميركية في أفغانستان في عام 2001 لحرمان “القاعدة” من القدرة على شن هجمات ضد أهداف أميركية.
فعلى الرغم من أن الإحصاءات الصينية تظهر أن هناك 5000 من الإيغور ممن يقاتلون في صفوف”داعش” والجماعات الإرهابية الأخرى فى سوريا فإن مشاركة الجيش الصينيفي سوريا جاءت متأخرة في نظر بعض الخبراء ولكن عدداً من الاقتصاديين يرون أن مشاركة الصين اليوم تحمل بعداً اقتصادياً لقطع الطريق على الغرب في الحصول على نصيب من إعمار سوريا وأن المساهمة الكبرى ستكون للصين.وما ييرهن على ذلك هو ما طلبه عدد من المسؤولين السورريين ممن زاروا الصين في السنوات الماضية إذ طلبوا المزيد من الدعم الاقتصادي الصيني لسوريا، كان آخرها إعلان الصين عن استثمار أكثر من 6 مليارات دولار في سوريا بشكل مباشر.
وحسب تصريحات المسؤولين الصينيين، فإنه وبعد زوال الأعمال المسلحة في سوريا، ستستثمر بكين في سوريا بشكل كبير في قطاع الطاقة والبنية التحتية. أما من الناحية السياسية فستسعى الصين الى التنسيق مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بمستقبل الجمهورية السورية.
وفي نهاية شهر نوفمبر 2017 عقدت محادثات بين الصين وسوريا في دمشق بين بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد في 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2017 مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي حول مكافحة الإرهاب وسبل التخلص من  أعضاء”حركة تركستان الشرقية الإسلامية” الذين يحاربون في منطقة الغوطة الشرقية.وتقول الصين إن تلك الحركة نفذت أكثر من 200 عمل إرهابى فى الصين فى العام الماضي لذلك تسعى بكين إلى سبل انهاء هذا التنظيم فى سوريا قبل ان يعود أعضاؤه اليها.
ولما كانت الصين تعتمد على مصادر الطاقة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط،  فإن التقلبات السياسية والأمنية  في هذه الدول تعني تغيراً سلبياً في الاقتصاد الصيني نظراً لتأثر إمدادات الطاقة التي تعتمد عليها الصين بشكل كبير في تقدمهما الاقتصادي. كما أن بكين تعتبر أن إقليم شينجيانغ الصينيالواقع شمال غرب الصين يشكل بالنسبة لهارأس جسر استراتيجيلتجارتها الخارجية. وتجدر الإشارة إلى أن شينجيانغ لا تهدأ وتتعرض للعنف والفوضى في كثيرمن الأوقات. وتتهم الحكومة الصينية تلك الحركة بمحاولات انفصالية.
وتؤكد المصادر ان المستشارين العسكريين الصينيين موجودون بالفعل فى سوريا مما يمهد الطريق أمام القوات بعد تسيير طائرات بدون طيار تم شحنها من الصين إلى قاعدة حميميمالعسكرية فى اللاذقية فى شمال غرب سوريا لاستخدامها فى مكافحة الإرهاب. وينبغي القول هنا أن الصين قد ترسل المزيد من القوات إذا أرسل الأميركيون قوات عسكرية أخرى إلى سوريا. وبعبارة أخرى، فإن انخراط الصين يتوقف على السلوك الأميركي لأن الصين لن تسمح للولايات المتحدة بلي ذراع بكين بإيواء الإرهابيين الصينيين من أجل أعمال مستقبلية ضد المصالح الصينية في سوريا، أو في أي مكان آخر.
وستشهد الأسابيع القليلة القادمة العديد من اللقاءات بين المسؤولين العسكريين والأمنيين الصينيين والأميركيين. ولن تسمح واشنطن لبكين بالفوز فى الصراع السورى لاعتبارات مستقبلية لان الصين اصبحت قوةعالمية فى مختلف المجالات بما فيها التجارة والانتاج العسكري، إذ تريد واشنطن أن تتحكم في مصادر الطاقة التي تحصل عليها بكين من الشرق الأوسط وبذلك  تفرض على الصين أجندتها وترضخ بذلك العاصمة الصينية لما تريده واشنطن وهذا ما ترفضه بكينمما يؤثر على المصالح الاستراتيجية الأميركية. وهذا يعني أن تقوم بكين بإبقاء قواتها من أجل إقامة قواعد عسكرية في سوريا، للمشاركة في مشاريع إعادةالإعمار التي صرحت أنها مستعدة لتنفيذها.
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

العراق يشكل فريقا لملاحقة مرتكبي أعمال عنف بحق عمال سوريين

الأول نيوز – وجّه رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، الأربعاء، بتشكيل فريق أمني مختص …