7 سنوات على غياب سالم النحاس….كأنك تموت الان!

اسامة الرنتيسي –
قبل نحو 7 سنوات, وفي يوم جادت السماء بكل ما تملك من امطار, زحفنا من عمان الى مادبا في موكب مهيب يليق بسالم النحاس, الذي قرر اخيرا الاستقرار في مسقط رأسه, مادبا التي احبها, وعاتبها ذات يوم عتاب الفلاحين, قائلا “وانت يا مادبا”, فوصلنا الى كنيستها, وكان سالم الوحيد بيننا المسجى على ظهره, ننظر اليه بعيون حاصرتها الدموع الغزيرة, وينظر الينا بعيون الواثق, مرددا بتمتمات نعرف لهجتها, لن اترككم ايها الصعاليك, ولن تتركوني, فقد زرعنا الارض خضرة وحرية واحلاماً, فهل تغدرون بي الآن.
قالها سالم, وهو يعرف ان نسمات الربيع العربي بدأت تهب علينا من كل الجهات, وها هي بعد عام من الثورات ومن رحيل أبي يعرب, تنبت وردا وبندقية, وحرية عشقها سالم, وكان فارسها المغوار.
الحرية التي ناضل أبو يعرب طوال عمره من اجلها, فرض ايقاعها البديع عليه, عندما سمع في ذات ليلة مذيع نشرة الاخبار من الاذاعة الاردنية, يقول ان الاردن قرر رفع الاحكام العرفية التي قبضت على روح البلاد عشرات السنين, أن يترك سيارته (الكركوعة) على طرف شارع مادبا, وينزل الى الارض ليرقص ويغني الهجيني, وبصوت عال “شبابي قوموا العبو والموت ما عنه والعُمر شبه القُمر ما ينشبع منه…”.
لم يكن النحاس عاديا, بل كان متميزا في كل شيء, بحسه الابداعي الذي انتج أدبا راقيا, وبنظرته السياسية الثاقبة, التي كانت تقود الحركة الوطنية الاردنية وتوجهها, ويعترف في هذا حتى الذين لم يكونوا على وفاق سياسي معه, بل كان صانع المؤسسات الجماهيرية من التجمع الديمقراطي في بداية التسعينيات بعد انتخابات عام ,1989 وحتى لجنة التنسيق العليا لاحزاب المعارضة.
سالم النحاس الذي داهمته الجلطة ذات سهرة مع صعاليك, فأقعدته الفراش سنوات طوال, ورغم هذا لم يستكن لها فقد كان مواظبا على حضور النشاطات السياسية والثقافية على الكرسي المتحرك, وخاض انتخابات رابطة الكتاب ونجح فيها, لم ازره يوما خلال مرضه إلا وكان حلمه بحياة جديدة, تسيطر على كلامه, لكن الحياة اقسى من حجارة الصوان, فقضى سالم تحت عجلات المرض الذي قاومه بكل الوسائل حتى وصل الى المانيا مرتين, لكن من دون فائدة.
لم اتعرف في حياتي على رجل يعشق النساء حد الثمالة مثل سالم النحاس, ولم اصادق رجلا بحجم وقيمة النحاس, بكل هذه الهالة, لكنه في الوقت ذاته كان يملك قلب طفل, ورقة المطر, وعطر الريحان.
هل تذكر يا أبو يعرب ذاك المشهد الذي رأيناه في احد شوارع مالطا عندما كنا في رحلة للوصول الى ليبيا المحاصرة, عاشقان بعمر الورد يقبلان بعضهما بكل حب, من دون ان يلتفتا الى ما حولهما وكأنهما في هذه اللحظة يملكان العالم, فصرخت بنا قائلا “ول علينا وعلى عيشتنا المسخمطة”.
أبو يعرب, يا أمير الصعاليك, أسألك بالله, و بأوراق عاقر, وأنتِ يا مادبا, وتلك الأعوام, والانتخابات والساحات, ومولودك الاخير أنتِ بالذات, هل لا زلت تردد كلما ضاقت عليك الامور,” الدايم الله”.
يا سالم, ايها الانيق, والوسيم مثل حمرة تراب بلادنا, لقد قست عليك الحياة, ولم تمنحك ما تستحق, كل من عرفك يقول هذا بعد عام من انسحابك منا, لكننا نحن المحظوظين فيك, وسوف تحسدنا الاجيال القادمة على اننا عشنا في زمن سالم النحاس.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

“تجارة عمّان”: 92.4 مليون التبادل التجاري مع سوريا خلال 4 أشهر

الأول نيوز – بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا خلال الأشهر الأربعة الأولى من …