السبت , سبتمبر 21 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

هل يتعلم العرب من الصين؟

د. شهاب المكاحله – بيجينج-

 
لا تختلف تعاليم الديانات السماوية والارضية كثيرا فيما يتعلق بثروات البشر وسبل عيشهم كون الايمان نابع من الفطرة قبل المسميات. فتعاليم الاسلام والمسيحية واليهودية كلها تدعو الى شكر النعم والقناعة بما لدى الانسان لأن ما لديه أفضل مما لدى الكثيرين ممن هم محرومون منه. فما قاله الفيلسوف الصيني  كونفوشيوس قبل قرون فيما يشبه ما قاله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أن من أمن قوت يومه وبات آمنا ليلتها فهو في نعيم. ولعل تلك العبارة النابعة من الفطرة سعت الى تحصين الناس من الطمع والجشع.
فبعد أن خرجت الصين منهكة بعد الحرب العاليمة الثانية حيث خسرت عشرات الملايين من شبابها كما هو الحال مع دول كثيرة ، لم يخطر أبدا عن بال الكثيرين أن الصين قد تصبح المارد الاقتصادي الاكبر في العالم. وباختصار فلو نظرنا الى ما كانت عليه الصين في العام 1945 نجد أن حالها لا يختلف عن حال الكثير من الدول العربية التي استقلت في تلك الفترة. ولكن شتان ما بين الصين ودولنا العربية.
كرست الصين نفسها بعد اننتهاء الحرب العالمية الثانية لبناء المواطن وحرصت على انتهاج سياسة خارجية بعيدة عن الصخب والتعاطي بهدوء مع التطورات العالمية مع البعد كل الامكان عن الصدام والاحتكاك المباشر غير المبرر مع الدول الكبرى. وهذا ما ساهم في تحقيقها قفزات كبيرة اقتصاديا وماليا وصناعيا وتربويا ضاهت ما قامت به دول سبقتها بعشرات السنين. لا تريد الصين ان تكون في الفترة الممتدة من 2018-2020 ماردا اقتصاديا فقط بل تريد ان تكون عملاقا سياسيا وهذا ما يدفعها الى التحالف مع روسيا لضمان لعبة التوازنات الدولية.
هل حقق العرب المستقلون جزءا مما حققته الصين؟
اليوم، تضع الصين في حسابها أنها المنافس الوحيد للولايات المتحدة. فتمارس بيجنج ضغطا اقتصاديا كبيرا على واشنطن ما يؤثر على القرارات السياسية الاميركية تجاهها. فالصادرات الصينية تقدر بنحو3 تريليون دولار سنويا، تستأثر الولايات المتحدة بنحو 20% منها.
وبالعودة الى الصين والعالم العربي، كم من الشباب العربي يتذكر قادة مثل غاندي وبن بيلا ممن نادوا يوما بأن لا اقتصاد دون زراعة ولا تقدم دون صناعة ولا سيادة طالما رغيف الخبز تحكمه البنوك الدولية.
لقد قال بن بيلا يوما إن الإستعمار الفرنسي كان يعتبر الجزائريين أنهم شعب لا يعرف سوى الزراعة. نعم، واليوم لا نعرف الزراعة ولا الصناعة صرنا كالطائر الذي أضاع مشيته. كنا مخازن قمح العالم واليوم بتنا نستورده. قديما قالوا رغيف الخبز في بلادنا العربية دائري وفي تلك الدائرة معاني كثيرة ليس هذا المكان المناسب لذكرها. درسنا في كتب التاريخ عن مجد العرب والمسلمين وحضارتهم وحفظنا عن ظهر قلب اناشيد الدول العربية: النشيد العراقي والسوري مثلا. واليوم نسينا شكل العراق وسوريا.
نعي أننا اليوم نعيش عصر الحروب على الدول التي كان يمكن أن يكون لها كلمة مفتاحية في مستقبل المنطقة. فشنوا حروبا على دول حققت اكتفاء ذاتيا زراعيا وماليا واقتصاديا وصناعيا ولم يكن لديها مديونيات. دمروا جيوشا كانت سندا لكل عربي لأجل صفقة مشبوهة ابطالها معروفون. أين العراق اليوم وأين سوريا وأين مصر وأين اليمن وأين ليبيا؟ بل أين نحن؟
أنا لا ألوم حكومة عربية بذاتها فكلنا ملامون فيما آلت اليه الامورفي مضاربنا. فالفرد لا يمكنه عمل شئ في غياب الدولة كما أنه لا يمكن للدولة ان تفعل شيئا في ظل المافيات التي تسيطر على الحكومات العربية والمجتمع لأن التفاعل السليم فيما بين الدولة والمجتمع يكمن في انجاح التجربة والتحديث. فقد واجهت الدول العربية الا ما رحم ربي سياسة “Open Door Policy” التي تعني فتح الباب على مصراعيه بل والنوافذ وغيرها من “فتحات التهوية” لكل ما هو مستورد وتحديدا “مفرنج” أي افرنجي على اعتبار أن “الافرنجي برنجي” وأن المحلي “يوك”.
لا بد من ولادة دولة عربية جديدة بفكر مدني يدعو الى انتاج زراعي وصناعي وتكنولوجي يتيح لنا المنافسة في صراع البقاء العالمي الذي بتنا فيه خاسرو هوية بل بلا هوية لأننا لا نقرأ الماضي لنتعلم منه بل نقرؤه لنعرف نقاط ضعف قبائلنا واعراقنا وطوائفنا لنكيد لبعضنا بعضا ولا نرى الخطر المحدق بنا من كل صوب.
وهنا لا بد من تشكيل مواطن سليم قادرعلى صناعة وطنه. لا بد من نهج سياسي يتيح للشباب فرصة فك الطلاسم والشيفرات التي يعيشون فيها اليوم في ظل زيف مجتمعي منفصم عن الواقع. لا بد من التفكير في تشكيل انسان عربي للمستقبل والاستثمار به لا التفكير في الاستمثار بالحجر.
علمونا في المدرسة أننا كلنا اخوة (من آدم وحواء) واننا سواسية وأن وطناً لا نحميه لا نستحق العيش فيه. ولكن حين انظر الى كيف شكلت خمس دول مستقبل العالم لعشرات السنين أتساءل أين كان العرب والمسملون نائمين؟ لا توجد دولة عربية ولا اسلامية لها حق الفيتو في مجلس الأمن؟ نعم، اعرف أن الدول الكبرى تلك ضحت ولكن نحن ضحينا بالكثير كذلك للتخلص من استعمارهم؟ لما لا يكون هناك تمثيل لمنظمة المؤتمر الاسلامي في المجلس ويكون له حق النقض كذلك؟
لن يقبلوا بذلك طالما يعيش العالم العربي والاسلامي صراعا نفسيا للبحث عن الذات وما اشعال نار الارهاب (الملصق بالاسلام) سوى ذريعة لادامة الحال، فيبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء الى القضاء وللأسف فالقاضي خصمنا.
 
 
 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

صدمات انتخابية

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – بالله عليكم ما حد يزعل، وخذوا الانتقاد بروح …