أسامة الرنتيسي
رئيس دولة الأوروغواي السابق خوسيه موخيكا، اليساري العتيق، يقدم أُنموذجًا غير مألوف في زماننا، حتى شبهه بعضهم بالخليفة الإسلامي العادل عمر بن عبد العزيز.
موخيكا تصدّر لائحة أفقر حكّام العالم، إذ كان يحصل عندما كان رئيسا على راتب شهري قدره 12 ألفا و500 دولار أمريكي، يقدّم 90% منه للأعمال الإجتماعية، ويحتفظ بـ 1250 دولارّا شهريًا فقط، ويملك منزلًا متواضعًا للغاية وسيارة فولكسفاغن لا تتعدى قيمتها ألفي دولار.
لم يفكر موخيكا بالتقشّف لدعم الموازنة على طريقتنا، ولم يقرر أن يحوّل لمبات الإنارة في المؤسسات إلى لمبات توفير، في خطوة تدلُّ على توفير شكلي لا حقيقي. ولم يُرسل فريقًا وزاريًا إلى الطريق الصحراوي لتفقده، وكأن الوزراء من دولة ثانية، مع أن وزير الأشغال تحديدًا من الكرك، ويفترض به أن يعرف عيوب الطريق الصحراوي أكثر من غيره.
لم يذهب إلى مجلس النواب كي يتغطى شعبيًا بقرارات رفع الأسعار، وكأن تأمين 450 مليون دينار (عجز الموازنة) هي من مسؤولية ” الشعب المسخّم” ولم يستقوِ على ما تبقى من قوت الناس.
لم يرفع موخيكا أسعار الوقود ولا الكهرباء، بل أخذ الفقراء إلى بيته، ولم يهدد شعبه إن لم يصل الدعم العربي فسوف نضطّر إلى موجة جديدة من رفع الأسعار، ولم يتفاخر مثلما فعل وزير المالية بأننا لم نغلق ملف الرفع في عام 2017.
ولأن الملقي ليس موخيكا، فقد تشاطر على الأشياء التي تريح قلوب المواطنين، فرفع الضرائب على السيجار والكحول وكل شئ يغذي الروح، أمّا موخيكا فقد عزم الفقراء إلى قصر الضيافة لأنه يتعامل مع بشر يحبّون الحياة.
لم يبق إزاء الحكومة إلّا رفع أسعار الخبز، فلو تتجرأ قليلًا وتنهي هذا الملف وترفع أسعار الخبز والطحين لِتُخلّصَنا من خطاب تحميل الجمايل، فالمواطنون يعرفون جيدًا أن موازنة دولتهم فيها من العجز الذي يحتاج إلى هذا الدعم، لكنهم يعرفون أكثر أن موازناتهم الخاصة فيها من الضنك والحاجة ما لا تسمح الأحوال بأن يتم الضغط عليها أكثر، فلحم الدولة مهما حصل من عجز أقوى من عظم المواطن، الذي وصلت به الأوضاع فعلًا إلى شد الحزام أكثر مما يمكن تحمُّله.