أسامة الرنتيسي
نمرّ بمرحلة في غاية الحسّاسية، لا ينفع فيها الجَلْد، وتوزيع الاتّهامات، وتحميل المسؤوليات، إنّما نحتاج إلى رصّ الكتف إلى جانب الكتف، لنخرج من عنق الزجاجة.
الحكومة، لا تزال مُتهيّبة من مواجهة الشارع بعد قرارات رفع الأسعار والضريبة، بينما يُسجّل لها أنها استوعبت موجات الهجوم عليها، ولم تلجأ إلى قرارات مُتشنّجة.
والنّواب، يتوجهون إلى الحصول على نتيجة أكثر المجالس النيابية نحسًا، فيهوى بعضهم ممارسة تسجيل المواقف بلا تدقيق في المعلومات، وبعض آخر يتسابقون في تقديم المذكرات النيابية للتّكسب الشعبي في مواجهة الإعلام، وآخرون يأملون بالعودة إلى الشارع.
المعارضة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين قاموا بالحج إلى قرية إبدر لاستغلال قضية الدقامسة، فوصلتهم رسالة مباشرة؛ بأنّهم غير مرحب بهم، وأهينوا في عقر خطابهم، فهل يتفكّرون في الحالة التي وصلوا إليها، ويتخلّصون من الانتهازية السياسية.
في هذا الوقت الصعب، نحتاج إلى عقلاء وحكماء ومخلصين، قلوبهم واجفة على الوطن، لا على أجندات أخر، نحتاج إلى أصحاب آراء مخلصين منتجين، لا إلى أصحاب؛ “نعم سيدي”.
أُتْخمنا بقرارات التنفيع والتزبيط، وتوزيع المغانم إلى الأصدقاء والأقارب والأنسباء، أصبحنا نقتنع، (رضينا أم لم نرض) بألّا حل لأزماتنا الاقتصادية إلّا بالخنوع لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، وأنهما قَدرنا بعد أن وصلت أوضاعنا حدًا لا يمكن له أن يستمر.
نحتاج إلى مخلصين وعقلاء وحكماء وخبراء في بطانة صانع القرار، أولوياتهم وطنية، وهمّهم المواطن ومستقبله، وثوابت بوصلتهم لا تخطئ، شخصيات سِجلّاتهم نظيفة، لا تدور حولهم شبهات، مترفعين عن التنفيع، والبحث عن المكتسبات الشخصية.
نحتاج إلى عقول سياسية، لا موظفين اقتصاديين ناجحين في مشروعاتهم الخاصة من دون أظهر تساندهم، نجدهم مع الوطن إذا ناداهم، لا مع جنسياتهم الأخرى إذا ضُغط عليهم، وإلى إصلاحيين حقيقيين، لا أعداء للإصلاح، يقودون مسيرة الإصلاح، يمارسون الديمقراطية دائمًا، ليسوا من مشجعي الأحكام العُرفية.
هؤلاء العقلاء والحكماء ليسوا فقط في بطانة صانع القرار، بل نحتاجهم في المؤسسات الوطنية كلها، في الاحزاب والنقابات، في الحراكات ومؤسسات المجتمع المدني، في مفاصل حياتنا جميعها.
كانت مسيرة الاصلاح التي انطلقت في البلاد بعد هبّة نيسان ومغادرة الأحكام العرفية فتحًا جديدًا في تفكير وعقل الدولة، إلّا أن خطوات المسيرة الاصلاحية تعثّرت كثيرًا، وتباطأت أكثر، وقوِيت شوكة قوى الشد العكسي أكثر وأكثر.
لندقق جيدًا.. لم يكن أحد -حتى الأكثر تفاؤلًا- يتوقعوا في لحظة ما أن يحدث ما حدث في سورية، فلقد كان الأمن مطمئنًا جدًا، وسياطه طوال أربعين عامًا فعلت فعلتها في عصب الشعب السوري، وبات مقتنعًا بأنه لا حول له ولا قوة إزاء الوضع القائم، لكن ما نراه يوميًا عبر شاشات الفضائيات حتى لو كانت نسبة الصحة فيه 50% فقط، يدفعنا إلى التفكير ساعات بأن الوضع جِدّ خطير، وأننا فعلًا لسنا بعيدين عن فوهة العاصفة إذا لم نضع الإصلاح الحقيقي السياسي والاقتصادي على السكة الصحيحة من دون مواربة أو تأخير.
إن الحديث عن الإصلاح يبقى ناقصًا إذا لم يترافق مع إصلاح اقتصادي حقيقي يحمي حياة المواطنين المعيشية ، ويحفظ كرامتهم من العوز والحاجة، وهذا أيضًا لن يتحقق إذا لم نشعر جميعًا بأن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين أولوية قصوى، يجب ألّا يتم التعامل معها بالقطعة وحسب الوزن.
نريد عقلاء يمنعون الكوارث قبل وقوعها، وقبل أن يُنقل المايكروفون من العقلاء إلى النشطاء في الشارع .
الوسومأسامة الرنتيسي الأول مقالات
شاهد أيضاً
نائب جمهوري أمريكي يطالب بقصف غزة بقنبلة نووية
الاول نيوز – ذكرت قناة كان الإسرائيلية أن عضو الكونغرس الأميركي رندي فاين من الحزب …