العربُ بين قمة الخرطوم 1968 وعمّان 2017..
قراءة تاريخية لسنوات من الخيبة والهزيمة
د. عصام صيام
تسعةٌ وأربعون عامًا تفصل العرب بين قمة الخرطوم 1968 أشهر القمم العربية على الإطلاق وعمّان 2017.
بين قمتي الخرطوم 1968 وعمّان 2017 تاريخ طويل من المنعطفات التاريخية التي مرّت بالأمة العربية، من هزائم عسكرية على يد إسرائيل وإنتصارات عربية خجولة.
لكن الطابع المُهيمن على هذا التاريخ، هو طابع الإنكسار والتنازلات المجانية وخيبات الأمل التي لا حصر لها، ولكأن الله تعالى أراد للعرب أن يكون ماضيهم بسواده وبؤسه، أكثر إشراقًا من حاضرهم .
إشتهرت قمة الخرطوم بلاءاتها الثلاث ” لا صلح، لا تفاوض ولا إعتراف بإسرائيل” كونها انعقدت بُعيد هزيمة حزيران النكراء، وقد قيل إنها جاءت لتكريس مسار “البروبغاندا الناصرية” في الّلعب على وتر العواطف العربية الجياشة، من دون تقديم أي حلول واقعية وعملية لإحراز أي انتصارات على العدو الصهيوني.
قمة عمّان تُعقد في ظروف أكثر تعقيدًا مِن قمة الخرطوم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن العداء لإسرائيل آنذاك كان مُوحِدًا وجامِعًا البلدان العربية كافة، حتى وإن اختلفوا بينهم في كيفية المواجهة معها، مثلما اختلف المرحومان عبد الناصر والملك فيصل بن سعود في هذا المضمار.
كثيرة المنعطفات التاريخية التي ساهمت في خلق واقع عربي جديد، يُلقي بظلاله على قمة عمّان؛ كان أوّلها وأبرزها حرب أكتوبر 1973 وما تلاها من انسحاب مصري مِن “الوفاق العربي” بتوقيع معاهدة كامب ديفيد التي دشنت عهد كسر تابوهات قمة الخرطوم باعتراف أكبر دولة عربية بإسرائيل، وما عنى ذلك مِن حصارٍ عربيٍ لمنظومة المقاومة الفلسطينية المكافحة للعدو الصهيوني.
الثورة الإسلامية في إيران جاءت لتزيد الطّين بِلّةً بإحيائها “الحساسية السنّية الشّيعية” وشحذ همم الشّيعة في كل من العراق ولبنان والسعودية، حيث حرّكت ثورة الخميني بشكل أو بآخر غرائز الشّيعة العرب نحو التحشيد المذهبي بعيدًا عن القومية العربية.
ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية لتدشّن بداية رسمية للاقتتال السنّي الشّيعي بعد قيام العراق بإلغاء اتفاقية الجزائر التي رسّمَت الحدود المائية بين البلدين في شط العرب .
كانت الحرب العراقية الإيرانية كارثية في البعدين العسكري والسياسي، كونها نشبت بين بلدين مسلمين، فقد استغلّت إسرائيل انشغال العرب بهذا الاقتتال فشنّت حربًا ضروسًا على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بحجة اغتيال سفيرها في لندن عام 1982
هذه الحرب وما شهدته من خُذلان عربي مُشين للمقاومة الفلسطينية ساهما في تكريس نهج السّلام مع إسرائيل، وخفض سقف التوقّعات من الأنظمة العربية، لا سيما أن أكثر من دولة عربية اشتركت مع إسرائيل في رغبتها بتقليم أظافر الفلسطينيين، وخروج منظمة التحرير من بيروت إلى تونس بلا شك خلق فراغًا في خريطة المقاومة الوطنية اللبنانية الفلسطينية، كان حزب الله بدعم إيراني مباشر الأجدر بملئه، حيث استطاع الحزب بجدارة أن يقود فريق المقاومة الوطنية لاسيما بعد أفول نجم المقاومة السنّية “حليفة ياسر عرفات”، وبروز قيادة سنّية لبنانية مسالمة ميّالة نحو التنمية وإعادة إعمار لبنان بعد حرب أهلية قاسية.
كان الثاني من أغسطس 1990 يومًا أسودَ في التاريخ العربي المعاصر، عندما غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت شارخًا بذلك العلاقات العربية العربية. هذا الغزو جاء علامة فاصلة في التاريخ العربي، لما سبّب مِن مآلات مصيرية على العالم العربي، كان أولها وليس آخرها تأسيس تحالف دولي لتحرير الكويت بقيادة الولايات المتحدة بتعاون مِن دول الخليج العربي ومصر وسورية،كان أول التداعيات السياسية لهذا التحالف مؤتمر مدريد للسّلام في عام 1991 ، حيث اجتمع قادة إسرائيل وسورية لأول مرة علنًا تحت سقف واحد، ما شجّع منظمة التحرير على إجراء محادثات سرّية مع إسرائيل تُوّجت باتفاق أوسلو في عام 1993 ، تلته مباشرة اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في عام 1994
أحداث الحادي عشر من سبتمتبر 2001 في واشنطن ونيويورك كانت الأكثر تأثيرًا في إعادة رسم مسارات السّياسة الدولية في الشرق الأوسط، لاسيما أن الرئيس الأمريكي جورج بوش ومعه جحافل اليمين الأمريكي المحافظ استطاع أن يستغل الهجمات الإرهابية لشن حرب الخليج الثانية في 2003 ما أدّى الى انهيار النظام البعثي العراقي واحتلال العراق، وما تلاه من رعاية أمريكية لمحاصصة طائفية في عراق ما بعد صدام حسين.
المحاصصة الطائفية كانت بلا شك تميل إلى مصلحة الشّيعة، حيث انخرطوا بشكل ممنهج في عملية إقصاء تام للمكوِّن السنّي، ما أدّى في عام 2014 الى ظهور تنظيم داعش الإرهابي وإعلان ما يسمى الخلافة الإسلامية في الشام والعراق.
كانت لهجمات سبتمبر نتيجة مباشرة على المسار الفلسطيني، حيث قرّر جورج بوش الابن مقاطعة الرئيس الفلسطيني، آنذاك ياسر عرفات، واعتباره شخصًا ” غير ذي صلة” والعمل على تشجيع زعامة أبي مازن والقائد الفتحاوي محمد دحلان . إسرائيل بدورها فرضت حصارًا خانقًا على أبي عمّار في مقره بالمقاطعة في رام الله، بل منعته بتنسيق مباشر مع أكثر من دولة عربية حضور قمة بيروت المشؤومة في عام 2002 إلى أن قتلته في عام 2004
لا شك أن قمة عمّان تُعقد في ظروف أكثر تعقيدًا وبؤسًا على الصّعد جميعها، ولا أدلّ على ذلك مِن غياب سورية التي أثخنتها جراح الديكتاتورية والإرهاب، فإذا كانت قمة الخرطوم عُقدت بعد ضياع القدس، فقمة عمّان تُعقد في ظل تهويد القدس وخراب دمشق وصنعاء وطرابلس وبغداد على أثر ثورات الربيع العربي.
تسعةٌ وأربعون عامًا بين قمة الخرطوم وقمة عمّان… بين وهْمِ العداء لإسرائيل والتهديد برميها في مياه البحر، ورفض الاعتراف بها، وحقيقة الرضوخ لها، ومتعة التواصل والتنسيق الاستخباري، وصدق رسول الله إذ قال: ” لو اطّلعتم الغيب لاخترتم الواقع”.
الوسومالأول القمة العربية عصام صيام مقالات