أسامة الرنتيسي –
في لقاء سابق لأحد صنّاع القرار في الحلقة الضيّقة في البلاد، مع نخبة من الصحافيين والكتاب، لم يجد تفسيرًا لحالة الاستقرار التي نتمتّع بها في الأردن، سوى القول في ختام حديثه: ‘الأردن يسير بحماية الله..’، قلنا له: ‘ ونعم بالله’.
في اليومين الماضيين، فَزَعَ نائبان مخضرمان للحكومة وقراراتها الاقتصادية بطريقة أثارت غضبًا شعبيًا ـــ على الأقل ـــ في الفيسبوك، فمن على شاشة قناة “رؤيا” في برنامج نبض البلد الجماهيري، حضر النائب مصطفى ياغي وهو متوعّك صحيًا ليوجه التّهم الى الحراك والتظاهرات في المحافظات بوجود أيادٍ خفيةٍ تُحرّكها، وفي اليوم التالي حضر النائب خالد البكّار ليدافع عن قرارات الحكومة أكثر من وزير الصناعة والتجارة ومن الرئيس ونائبه.
لكن؛ هل هذا يكفي؟ فكل الأمور في البلاد باتجاه الاصطدام بالحيط، إن لم تكن قد اصطدمت فعلًا.
حالة من القلق والاحباط تنتاب الجميع، فلا التوجهات الحكومية بحجم الأزمة التي تعيشها البلاد، ولا الحياة البرلمانية قادرة على أن تصنع تغييرًا وتأثيرًا يجعلان المواطن مُطَمْئِنًا إلى درجة يَشعُر معها أن حياته محمية بطاقات وخبرات تقرأ المستقبل جيدًا، وتستطيع تطوير التشريعات.
وهناك مؤشرٌ رئيسيٌ بخط أحمر، على سياسة التراجع عن الاصلاح الجاد، بكل أركانه وعناصره، تحديدًا المتعلق بحياة الناس اليومية، وعذاباتهم المعيشية.
لنتذكر أن الانطلاقة الأولى للحراك الشعبي في ذيبان، كانت بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع حدة الفقر، ونسبة البطالة بيـن الشباب، ثم امتد الحراك مثل النار في الهشيم، إلى أرجاء المملكة كافة، معبّرا عن سخط معـظم فئات الشعب، على تفاقم الأوضاع المعيشية واللامبالاة الرسمية غير المفهومة، حيال معالجة هذه الأوضاع والاستجابة لمتطلبات التطوير والتنمية، والتحرر من أغلال اقتصاد السوق وأدواته الدولية.
حلول واقعية كثيرة طُرحت لدى الحكومة الحالية والحكومات السابقة، لمعالجة العجز والمديونية، بدءًا ممّا يتصل بالتهرب الضريبي، ورفع ضريبة التعدين، وقانون ضريبة الدخل، والاهتمام بالاقتصاد الانتاجي، الزراعة، والثروات الكبيرة الاخرى، المعدنية وغيرها التي تضمّها الأرض الأردنية…
لكنّ إجراءً واحدًا لم يُتّخذ على هذا الصعيد، واكْتُفي باتّباع السياسات التي درجت عليها الحكومات، بمدّ اليد إلى جيب المواطن ورفع الأسعار وهو أسهل الحلول وأقلها تكلفة ـ فيما مضى ـ.
فهل هذا الحل هو الأقل تكلفة حقا الآن؟ لندقق جيدًا؛
أولًا: لا حاجة للتذكير بحالة النهوض الشعبي في السنوات الاخيرة التي شهدتها المنطقة العربية عمومًا، (حتى لو انحرفت بوصلتها واختُطفت من قبل قوى رجعية متخلفة) من أجل استعادة الحقوق السياسية والاجتماعية معًا، ومن غير الحكمة أبدًا لدى أية سلطة سياسية كانت، التصادم مع هذا المستجد الكبير في حياة الدول والشعوب.
ثانيًا: يشهد العالم أزمة اقتصادية مرشحة للتصاعد، بسبب الأزمات الطاحنة والحتمية للرأسمالية العالمية في مواطنها ‘الولايات المتحدة وأوروبا عمومًا’، وقد انعكست الأزمة، ولا تزال ارتداداتها تتفاعل، ليس فقط في تلك البلدان، وإنما في بلداننا أيضًا.
الأمر الذي يعني بالضرورة عدم قدرة هذه الدول على تقديم المساعدات السنوية المنتظمة المعتادة، وإن تمكنت هذا العام، فماذا في الأعوام المقبلة؟ حتى وصل الامر قبل عامين إلى أن أعلنت الولايات المتحدة خطة تقشف عامة، سيَفقد بسببها أكثر من ثلاثة أرباع مليون أمريكي وظائفهم..
ثالثًا: التراجع عن ‘الاصلاح الاقتصادي وفق منهجية علمية، وإرادة سياسية عُليا بإنقاذ حالة التدهور المعيشي’ أدى حتمًا إلى انتعاش الأصولية السياسية والدينية بأشكالها كافة، الأمر الذي عقّد بالضرورة عملية الاصلاح السياسي المتوازن، والسيطرة على إدارة مفاصل الدولة، وفق استراتيجية تطويرية محكمة.
نظرة بسيطة الى مستوى الأداء العام في البلاد نكتشف فعلًا أننا اصطدمنا بالحيط، ونسير إلى المجهول، وبات القلق يسيطر على عقول الاردنيين وقلوبهم، وعلينا أن نراقب بدقة ما قد يحدث في يوم الجمعة والأيام المقبلة.