سليمان نمر * –
الأول نيوز – يعكس رفض السعودية لتقرير المخابرات الاميركية عن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، غضبا سعوديا على نشر التقرير لما سيكون له من تداعيات داخلية وخارجية .
وقال البيان السعودي الذي صدر عن وزارة الخارجية إن ماتضمنه التقرير ” هو استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة لا يمكن قبولها بأي حال من الاحوال ونرفضها رفضا قاطعا “.
والغضب السعودي يعبر في حقيقته عن “قلق شديد ” تجاه اجراءات قد تكون اكثر منها قانونية قد تتخذها ادارة الرئيس جو بايدن مستقبلا ضد ولي العهد الامير محمد بن سلمان الذي اتهمه التقرير المخابراتي الاميركي بانه وافق على عملية اختطاف وقتل الخاشقحي .
ويأمل السعوديون ان تبقى الاجراءات الاميركية العقابية عند حد فرض اجراءات عقابية ضد ال76 شخصا الذين يتهمهم التقرير بان لهم علاقة بالجريمة والذين قررت وزارتي العدل والخزانة الاميريكيتين معاقبتهم .
ويراهن المسؤولون على ان للولايات المتحدة في السعودية مصالح استراتيجية عسكرية (قواعد وتسهيلات)، واقتصادية (عقود وصفقات دفاعية وغير دفاعية) وسندات مالية واستثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات ، ويؤكدون على ان هذه المصالح تجعل من السعودية حليف للولايات المتحدة وليس شريكا وصديقا فقط .
وبيان وزارة الخارجية السعودية الذي رفض التقرير الاميركي اكد على ” متانة علاقات الشراكة القوية ” مع الولايات المتحدة ” متمنيا استمرار” الاسس الراسخة التي شكلت اطارا قويا لشراكة البلدين الاستراتيجية ”
ونشط المعلقون السياسيون السعوديون – الذين بالعادة يعبرون عن موقف ولي العهد ويأمرهم بها مستشاره سعود القحطاني الذي لازال محتفظا بنفوذه- للظهور على القنوات التلفازية العربية وغير العربية والتعليق بلغة مشتركة للتأكيد على ان نشر التقرير لن يؤثر على علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وان واشنطن لن تستطيع ان تتخلى عن هذه العلاقات وعن مصالحها مع المملكة ، وتحدث العديد من هؤلاء المعلقين عن ان علاقات السعودية مع الولايات المتحدة شهدت العديد من الازمات وكان اخرها الازمة مع ادارة الرئيس الاميركي الاسبق اوباما عام 2014، وتم تجاوزها حين حضر الرئيس اوباما للرياض في شهر اذار مارس عام 2014 بعهد العاهل السعودي السابق الملك عبدالله بن عبد العزيز .
في تلك الازمات كانت الرياض تتعامل مع واشنطن من موقف ” الند للند “، وكانت القيادات السعودية في تلك العهود ذات حضور وثقل عربي واسلامي ودولي سياسي وازن، يجعل اي ادارة اميركية “تحسب لها حسابا “.
فهل القيادة السعودية الحالية – وبعيدا عن الملك سلمان بن عبد العزيز حيث يقود ابنه وولي عهده المملكة وسياساتها – قوية الى حد مقاومة اي ضغوط اميركية ؟
سؤال يطرحه سعوديون وغير سعوديين ، وهم يرون كيف أرتهنت المملكة للولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الى درجة ان مستشار ترامب وصهره غاريد كوشنر كان سيوقع الامير محمد بن سلمان بفخ التطبيع مع العدو الاسرائيلي .
ويرى المراقبون ان المملكة لم يعد لديها النفوذ السياسي “الوازن ” لدى الولايات المتحدة او غيرها ، بقدر مالديها من نفوذ مالي لن يكون له التأثير السياسي القوي على الدول القوية .
ربما تستطيع السعودية ان تستبدل بعض صفقات وعقود شراء الاسلحة الاميركية ، بعقد عقود مع الدول الاخرى (بعض الدول الاوروبية وغيرها مثل روسيا والصين ) .
ولكن قيام ولي العهد السعودي بربط مصالح المملكة وسياساتها بالولايات المتحدة خلال سنوات عهد الرئيس ترامب بهذا الشكل الذي لم يحدث في عهود سابقة، ستجعل الرياض غير قادرة على التأثير على القرار الاميركي لاسيما في ظل ادارة ” غير ودودة ”
طبعا السعودية ليست قلقة من تخلي الولايات المتحدة عن تعهداتها بحماية السعودية واراضيها عسكريا من هجمات او مخاطر تهدد اراضيها وهذا ما أكدته الادارة الاميركية الجديدة مرارا ، وما يشير اليه اتصال وزير الدفاع الاميركي بولي العهد السعودي – بصفته وزيرا للدفاع في السعودية – ان العلاقة مع ولي العهد ستتعلق فقط بالامور العسكرية فقط.
واعلان الرئيس جو بايدن انه سيتكلم فقط مع العاهل السعودي الملك سلمان وليس مع ولي عهده يؤكد انه لن تكون العلاقات الاميركية ودية مع الامير بن سلمان، ولاشك ان هذا مايزعج ولي العهد السعودي الذي يرى ان نشر تقرير المخابرات الاميركية الذي اتهمه بالامر باختطاف الخاشقجي وقتله هو موقف شخصي ضده من الحزب الديمقراطي وزعمائه .
ومن هنا لاحظنا ان بعض المعلقين السعوديين قبل ان ينشر التقرير اخذوا ينشرون مقالات “غير ودية ” تجاه الرئيس بايدن وادارته ، ونشرت صحيفة عكاظ المحسوبة على ولي العهد ، مقالا لأحد معلقيها السياسيين يتهم بايدن وادارته ب” التراخي في التعامل مع ايران ، وكتب المعلق فهيم الحامد ” ان ادارة بايدن تتعامل مع الملف النووي الايراني بنفس تعامل ادارة الرئيس اوباما ، ان لم يكن بتراخ اكثر ، واعطت الاولوية للعودة للاتفاق وتسمين نظام الملالي لتصبح ايران هي الذراع الاقوى في المنطقة العربية “.
ورغم ان الادارة الاميركية لم تعلن حتى الان عن اي عقوبات ستفرضها على ولي العهد السعودي الا ان الرياض تشعر ان تلك المواقف الاميركية “غير الودية ” منه ستنعكس سلبا ليس على علاقته ليس مع واشنطن فقط ولكن مع العديد من دول الغرب وسيؤثر ذلك على وضعه السياسي خارجيا حيث انه قد لا يستطيع التحرك سوى بمحور روسيا والصين .
ولكن ماذا على الصعيد الداخلي ؟
اعتقد ان الولايات المتحدة غير قادرة على التدخل في الشأن الداخلي السعودي بشكل يؤدي الى تغيير ولي العهد السعودي ، ولكن ادارة واشنطن لن تعمل على حماية الامير بن سلمان من اي محاولة لتغييره من داخل الاسرة الملكية الحاكمة .اذا كانت قادرة الاسرة على ذلك.
ولكن يلاحظ ان اجهزة الاعلام السعودية عملت بعد صدور التقرير على كسب الراي العام السعودي.
ونشط المعلقون والمحللون السياسيون – ووفق تعليمات من المستشار سعود القحطاني – في التشكيك بالتقري والتاكيد على ان التقرير هو مجرد استنتاجات خاطئة وظالمة تستهدف “القيادة السعودية ” لاتستند الى اي معلومات او ادلة .
ويلاحظ انه انتشرت تعليقات هؤلاء على موقع تويتر وعمل من يسمى ب”الذباب الالكتروني ” على نشر هاشتغات متعددة تدافع عن الامير محمد بن سلمان وعن قيادة المملكة ولاسيما هاشتاغ ” لهم الظن ولنا محمد بن سلمان ” ، وطبعا استخدام كلمة ” الظنون ” في العنوان كان متعمدا ليقال ” بان بعض الظن اثم ” .
وقال ديبلوماسي عربي في الرياض ان الامير محمد بن سلمان يهمه الوضع الداخلي قبل اي شيء اخر لذا ان كسب المواطنين السعوديين لاسيما الشباب له الاولوية في السعودية الان “.
- كاتب صحفي عربي مختص بالشؤون الخليجية