أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – سواء تم تنفيذ فعالية 24 آذار أم ألغيت بسبب تزايد إصابات كورونا (وأتمنى أن تلغى لان الاولوية الان للصحة) فإن على مجسات الدولة أن تقرأ الإيجابية في الدعوة للاعتصام من دون التركيز على كليشيهات “الأجندات والدعوات الخارجية المؤامرة”.
التهديد الذي أطلق بإقامة اعتصامات في ذكرى 24 آذار، ليس فعلا منزوعا من سياق ما يُجرى.
فبعد إدارة الظهر لكل عملية الإصلاح السياسي، بَدْءًا من قانوني الأحزاب والانتخاب، والانتخابات وما جرى فيها، وبالنظر إلى مخرجاتها المحبطة، والحفاظ على خطاب رسمي لا يُسمن ولا يُغني من جوع حول الإصلاح من دون ترجمة فعلية، ومن دون مصارحة ومكاشفة المواطنين، تمنح حالة الغضب الشعبي ذخيرة حيّة بصدقية مطالبه، وبضرورة زيادة الضغط حتى يتحقق ما تم الوعد به منذ سنوات.
في علم كيمياء الشعوب، فإن الصمت في الفترات العجاف أخطر بكثير من النزول إلى الشارع، والاحتجاج، لأن الصمت والضغط يولدان الانفجار، والتنفيس من خلال الهتاف ورفع الشعارات، خاصة ذات السقف العالي، يُخرج الغضب من صدور المحتجين.
منذ سنوات وحتى قبل زمن الكورونا تتعامل الحكومات وأجهزتها بإطمئنان شديد مع المسيرات والاحتجاجات الشعبية، وتعتقد أنها تحت السيطرة دائما، وركزت في فترة اعتصامات الجمعة في قراءة مستعجلة للأرقام المتواضعة التي تخرج في المسيرات، لكن هذا الاطمئنان الزائد عن اللزوم لن يصمد كثيرا إذا بقيت أوضاع المواطنين المعيشية تسير من سيّئ إلى أسوأ.
صحيح أن حجم الاحتجاج على رفع الأسعار في فترات سابقة لم يكن بمستوى الحدث ونسبة الرفع، مع أن الشعارات التي رفعت كانت غير مسبوقة، لكن وعي المواطنين وتقديرهم لأهمية الابتعاد عن الفوضى، وحرصهم على أن لا ينتقل ما كانوا يشاهدونه في دول أخرى إلينا، لا يعني أن مساحات التعقُّل ممكنة في كل الظروف.
لست من الذين يتصيّدون للحراك الشعبي، بل من الداعمين لأفكاره ومطالباته، وقلت في أكثر من مرة إن الارتياح الزائد عن اللزوم الذي تظهره الحكومات ورجالاتها في تقويمهم للحراك الشعبي غير مطمئن، ويشي بعقلية غير مرنة واهمة، مثلما كان غيرها واهما، بأن ما يحدث في بلدان أخرى لا يمكن أن يحدث عندنا.
ستبقى عناوين الإصلاح والمطالبة بإنجازها معلقة في رقبة الأيام المقبلة مهما كانت صعوبة الظروف التي نعيشها في زمن الكورونا.
والشيء غير المفهوم أن قضايا الإصلاح السياسي لم تغب يوما عن كتاب تكليف سامٍ، ولم تغب أيضا عن برامج أية حكومة أردنية، لكنّ مسار الإصلاح السياسي في الأردن دائما يتأرجح بين “خطوة للأمام وإثنتين للخلف”.
الأردن في حالة تمكنه من النجاح في إنجاز إصلاح سياسي بصورة متوازنة، فهو يتمتع بأوضاع جيدة من الاستقرار الأمني والوحدة الوطنية والعقلانية والنضج السياسي، ويتوفر لديه الكثير من التجارب والمؤسسات والبيئات اللازمة لنجاح الإصلاح السياسي.
خط الفقر والإحباط واليأس التي تلف البلاد ينبغي ان لا توقف عجلة الإصلاح، لأنه طالما كانت الاجواء متناغمة بين الدولة وطموحات الشعب، كانت المناعة أقوى لمواجهة أي تهديد خارجي.
الدايم الله….