بعد مئة عام على صدور كتاب «الجدار الحديدي»….
د. سليمان صويص –
الأول نيوز – قبل قرن من الزمن، أي في عام 1923، صدر كتابٌ يحمل عنوان «الجدار الحديدي» من تأليف الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي، مؤسس «الحركة التحريفية» التي انبثقت عنها لاحقاً منظمة «بيتار»الإرهابية، وحزب «حيروت» (الحرية) الذي شكّل مع أحزاب يمينية أخرى إئتلاف «ليكود» الحاكم اليوم في إسرائيل.
الأطروحة الأساسية في الكتاب المذكور أعلاه تدور حول الإستحالة التامة للوصول إلى اتفاق طوعي مع عرب فلسطين من أجل تحويل فلسطين من بلد عربي إلى بلد ذات أغلبية يهودية. جابوتنسكي، في معرض ردّه على «الصهاينة اليساريين» الذين كانوا يدعون إلى «تسوية» مع الفلسطينيين، يعترف بأن السكان الأصليين (أي الفلسطينيون) سيقاتلون بعناد، المستعمرين، بغض النظر أكانوا متحضرين أم لا. «العرب ليسو أغبياء حتى نخدعهم بصياغات مزوّرة لأهدافنا الأساسية»، كتب، مضيفاً : «يؤمن الفلسطينيون بأن فلسطين وطنهم ويحبونه بصورة غريزية قوية، تماماً مثلما يؤمن الأزتيك بأن المكسيك وطنهم، ولا يمكن أن يتخلوا عنه، وسيظلون يقاومون الغزاة طالما بقي لديهم أمل في القضاء عليهم».
ينتقل «أبو» الإرهابيين الصهاينة، جابوتنسكي بعد ذلك إلى الإفصاح بوضوح شديد عن أفكاره التي تحوّلت إلى استراتيجية وعقيدة ثابتة سار عليها جميع قادة إسرائيل لاحقاً، سواء أكانوا من «اليسار» أو من «اليمين»: علينا أن نواصل الإستيطان، رغماً عن إرادة الفلسطينيين؛ وأن نُعامل الفلسطينيين بأقصى درجات العنف والقسوة والوحشية (…)، وأن نبني جداراً حديدياً بحيث لا يتمكنوا أبداً من تحطيمه. وفقط، عندما يفقدون كل أمل في مقاومتنا، نستطيع التفاوض معهم.
هذه هي خلاصة سياسة «الجدار الحديدي» الذي أصبح «دستوراً» وعمل الصهاينة ـ كما قلنا ـ على تطبيقه على الشعب الفلسطيني منذ ثمانين سنة وحتى اليوم. ومن يري غير ذلك، فليثبته لنا !
تُرى، لو قام جابوتنسكي اليوم من قبره ـ أي بعد مئة عام من إصداره لكتابه ـ وألقى نظرة على ما يجري في فلسطين والمنطقة… كيف ستكون ردود فعله ؟! بعض ما جرى كان يفوق توقعاته، وبالتأكيد لم يكن يحلم به ولو في الخيال : قيام سلطة فلسطينية تقوم بتنسيق أمني مع الكيان، وتطارد المقاومين للإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ! أنظمة عربية متهالكة «تُتطّبع» و «تتعاون» مع الكيان الذي لا يزال يشرّد شعب فلسطين ويقتله ويصادر أراضيه، بدلاً من دعم مقاومة الشعب الفلسطيني، كما يدعوها الدين والرابطة القومية لفعل ذلك !
كان رئيس وزراء الكيان الأسبق ، ديفيد بن غوريون، يقول بأن الفلسطينيين سينسون فلسطين تماماً بعد ثلاثة أجيال، بالحد الاقصى، وكان يخطط للتوسع واحتلال الأردن ولبنان ، وكان الإسرائيليون يعتقدون بأن العرب متخلفون يسيرون وراء رؤساء قبائلهم ؛ وها هم اليوم يرفضون بشدة التطبيع مع الكيان مثلما تريد بعض انظمتهم. ماذا سيقول جابوتنسكي لو عاد اليوم ليرى شباب فلسطين الأبطال، «الفدائيون الجدد» في نابلس وجنين وأريحا وغزة وغيرها وهم يبثون الرعب في قلوب المستوطنين والإسرائيليين عموماً، ويثبتون له ولهم ـ بعد مئة سنة ـ بأن قلوب الفلسطينيين لا تزال تنبض بقوة بحب سيدة الأرض فلسطين، وإصراره على مقاومة الإحتلال وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ؟! هل
سيصاب جابوتنسكي بجلطة عندما يرى الإنقسامات في صفوف أبناء جلدته والتي تنذر بحرب أهلية، ربما تقود إلى زوال الكيان على يد اليهود الصهاينة أنفسهم …. ناهيك عن توفر السلاح بوفرة بيد المقاومة اللبنانية التي طردت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، وقاومت عدوانه ببسالة عام 2006 بحيث أصبح لا يجرؤ على تكراره منذ ذلك الوقت بالرغم من «تهديداته» المستمرة !
بإختصار : سوف يُصاب جابوتنسكي بخيبة أمل كبرى لو عاد إلى الحياة، بالرغم من «الإنجازات الهائلة» التي حققها الكيان، بفضل دعم الدول الإستعمارية الغربية له، وبفضل تقاعس معظم الأنظمة العربية وخياناتها، وبفضل أخطاء وخطايا حركة التحرر الفلسطينية والعربية.
أما بالنسبة لنا، نحن الشعوب، وبخاصة الشعب الفلسطيني، فهذه «النبوءة الجابوتنسكية» تؤكد لنا للمرة المليون بأن صراعنا مع الكيان هو «صراع وجود وليس صراع حدود»، وعلينا أن نعتمد أساساً على السلاح والقوة للتعامل مع هذا الكيان. لقد تأخرت شعوب الأمة العربية كثيراً في بناء حركة تحرر عربية فاعلة لمواجهة هذا الكيان العنصري الفاشي السرطاني الذي يشكل تهديداً قومياً يومياً للوجود العربي. إن دروس وعبر مئة سنة هي أكثر من كافية لكي نفيق ونمسك بزمام أمورنا بأيادينا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أجل معرفة المزيد عن كتاب جابوتنسكي، يمكن الإطلاع على دراسة بعنوان « قراءة جديدة لعقيدة الجدار الحديدي»، من خلال رابط مركز «مدار» (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية) التالي :
https://www.madarcenter.org>filesPDF