أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – حضر الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب إلى الصويفية، نحو ساعة ونصف الساعة، وحضرت معه ملامح تجربته الشعرية والفنية الثرية كلها، خلسة بعيدا عن “أعين العسس” بحضور نخبة من المثقفين الأردنيين والعراقيين.
المشربُ ليس بعيدًا،
ما جدوى ذلكَ، فأنتَ كما الاسفنجةِ تمتصُ الحاناتِ ولا تسكر
يحزنُكَ المتبقي من عمرِ الليلِ بكاساتِ الثَملينَ
لِِمَ تَركوها ؟ هل كانوا عشاقًا !….
كان الإعلامي الكاتب العراقي محمد السيد محسن ابْنًا مخلصًا لصديقه ورفيقه سنوات طوال في حياته برغم الفارق بينهما في العمر، فبعد صدور كتابه “الشاعر القرمطي.. مظفر النواب ذاكرة ومواقف” وفي الذكرى الأولى لرحيل شاعر العراق الكبير مظفر النواب أقام مجلس الأعمال العراقي في الأردن مساء السبت أمسية بديعة زادت في جمالها الحميمية التي تحدث بها الزميل محسن عن الشاعر مظفر النواب.
كما زادها جمالًا وأناقةً مُسيِّر أعمال الأمسية الفنان الشاعر فلاح هاشم “ملك الدوبلاج” وصاحب صوت أجمل الأعمال الكرتونية في “عدنان ولينا” وفارس في “الحوت الأبيض”.
كتاب محسن عبارة عن مذكرات وحوادث فعلية عمل الكاتب على جعلها منطلقًا للحديث عن بعض سمات قصائد الشاعر.
كتب مقدمة الكتاب- الذي يتألف من ٣٣١ صفحة – المفكر عبد الحسين شعبان. الذي قال أن محمد السيد محسن يعترف بتأثير مظفر النواب عليه بل ان مناخه ظل مخيما منذ أن تعرف عليه قبل أكثر من ربع قرن، فقبل ذلك كان قد عاش ظروفا صعبة، بعد اعتقاله في ايران وخروج ملتبس ومنفى وتنقل وعودة إلى العراق وفي كل ذلك كان المنفى الداخلي والخارجي هو المسيطر عليه، وظلت قصائد مظفر النواب غذاءه الروحي تاريخيا، لذلك شكره بعد رحيله بقوله أنه علمه أن يكون مظلوما فينتصر في حبه للخير وزراعة الامل والتصالح مع النفس وفي بلورة الرأي واتخاذ الموقف حتى دون انتظار لردود الفعل أحيانا، وهو جزء من تجربته الحياتية التي اكتسبت شيئا منها علاقة السنوات الاربع بمظفر ومتابعته حتى في مرضه عبر صديقه الوفي والأثير “حازم”.
أما صورة الغلاف فكانت لوحة للفنان التشكيلي سيروان باران الذي رسمها خصيصا للكتاب.
في الأمسية التي حضرها نخبة من الجمهورَين الأردني والعراقي جال الزميل محسن خلال مراحل متعددة من حياة مظفر النواب وتنقله في عواصم كثيرة، دمشق وطرابلس الغرب وبراغ ثم هروبه المرير إلى الأحواز…
قال يومها النواب “مَن هرًب هذي القرية من وطني”…التي يصف فيها النواب قصة معاناته في أثناء هروبه من سجون العراق عبر الأحواز العربية التي تخضع للاحتلال الإيراني منذ سنة 1925م.
فحينما أخذ منه التعب والإجهاد مأخذهما في رحلة الهروب إلى المجهول اضطر إلى دق أحد الأبواب فأجاب من الداخل صوت أنثوي بلسان عربي مبين (من ذاك) فكانت هذه الأبيات التي يقول فيها الشاعر:
ناداني صوت ما زال كخيمة عرس عربي ..
والصوت كذلك أنثى ..
والغربة حين احتضنتني أنثى ..
من ذاك .. أجبت كنار مطفأة في السهل أنا يا وطني ..
من هرّب هذي القرية من وطني ..
من ركّب أقنعة لوجوه الناس وألسنة إيرانية ..
من هرّب ذاك النهر المتجوسق بالنخل على الأهواز ..
أجيبوا.. فالنخلة أرض عربية ..حمدانيون بويهيون سلاجقة ومماليك أجيبوا .. فالنخلة أرض عربية ..
يا غرباء الناس بلادي كصناديق الشاي مُهرّبة..
أبكيك بلادي …
أبكيك بحِجْر الغرباء..
كان الزميل محمد السيد محسن كريما في الأمسية التي شارك فيها الجمهور بكل أحاسيسه كي ينعش روح الشاعر الكبير مظفر النواب التي سكنت كل عربي عاش الظلم والاضهداد، وكانت زوادة المناضلين في كل مكان.
لم يفتح الزميل محسن خزان الذكريات فقط، بل استعان بقصيدة تركها له النواب في ثقب الباب عندما تأخر في الوصول إليه من براغ إلى دمشق ووعده بطبخ الباميا، واكتشف أنه كتبها له، فلحنها وغناها بصوت عراقي حزين..
والزميل محمد السيد محسن إعلامي عراقي كاتب صحافي ولد في البصرة عام ١٩٦٢. عملَ في عدة مؤسسات إعلامية، كالجزيرة والعربية وأم بي سي والفرنسية الثانية والغد العربي والشرقية.