الأول نيوز – أيمن سلامة
طالبت أمس الجمعة محكمة العدل الدولية بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، داعية إلى إنهاء أي تدابير تُسبب تغييرا ديمغرافيا أو جغرافيا، في خطوة قضائية تاريخية.
وقالت المحكمة إن رأيها الاستشاري الذي كانت طلبته الجمعية العامة للمنظمة يُؤسس على فرضية أن الأراضي الفلسطينية هي أراض تحت الاحتلال بسبب الخطوات الإسرائيلية منذ عام 1967. ووصفت المحكمة في صدر رأيها الاستشاري غير الملزم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بأنها :”وحدة متكاملة غير مجزأة، وأنّه واجب احترام سيادتها.”
وفي معرض إجابتها على سؤال الجمعية العامة للأمم المتحدة حول التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي على نيل الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير، أكد رئيس المحكمة أنّ الشعب الفلسطيني المعترف به له الحقّ في تقرير مصيره، كما دعا رئيس المحكمة جميع الدول والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لاتخاذ تدابير إضافية لإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها غير الشرعي للأراضي الفلسطينية
طالبت المحكمة أيضًا الدول والمنظمات الدولية بالتوقف عن تقديم أي دعم لإسرائيل كسلطة احتلال. وأكدت المحكمة أنّ استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يُشكل انتهاكًا للقانون الدولي، وأنّه يتوجب عليها إنهاء احتلالها في أقرب وقت ممكن .
ماهية الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية
تعد الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية بيانات قانونية حول مسائل قانونية تُطرح على المحكمة من قبل أجهزة الأمم المتحدة والهيئات القانونية الأخرى المخوّلة بذلك ، وتستند المحكمة في اضطلاعها بهذه الوظيفة الإفتائية إلى المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة والمواد من 65 إلى 68 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
التمييز بين الفتاوي و القرارات القضائية
-
- القرارات القضائية: ملزمة للدول الأطراف في النزاعات التي تحكم فيها المحكمة.
- الآراء الاستشارية: غير ملزمة، ولا تتطلب موافقة أي دولة.
وبينما كانت هناك مناسبات تفاعلت فيها الدول بشكل إيجابي مع التفسيرات الواردة في فتاوى محكمة العدل الدولية، فقد قوبلت أيضًا بالمقاومة بشكل عام.
على سبيل المثال، رفضت المملكة المتحدة العواقب القانونية في رأي “العواقب القانونية على الدول لاستمرار وجود جنوب أفريقيا في ناميبيا الذي صدر عن المحكمة في عام 1971 ، وبالمثل قاومت المملكة المتحدة الرأي الاستشاري في مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها الذي صدر عن المحكمة في عام 1996 ،من خلال التصويت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أيد الرأي .
الرأي الاستشاري لشاغوس
في مايو 2019، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 73/295 الذي أيد الرأي الاستشاري لشاغوس وطالب القرار المملكة المتحدة بسحب إدارتها الاستعمارية لأرخبيل تشاغوس دون قيد أو شرط في غضون ستة أشهر.
صوتت المملكة المتحدة ضد هذا القرار، ورفضت الرأي الاستشاري باعتباره غير ملزم، وسمحت بمرور فترة الستة أشهر دون اتخاذ أي إجراء أو مشاركة مع موريشيوس فيما يتعلق بأرخبيل تشاغوس.
على الرغم من أن الرأي الاستشاري لشاغوس لم يسفر عن أي إجراء فوري من جانب المملكة المتحدة لحل النزاع مع موريشيوس، إلا أنه يمكن رؤية تأثير الرأي وتأثيره بطرق أخرى.
في سبتمبر 2019، قدمت موريشيوس وجزر المالديف نزاعًا إلى المحكمة الدولية لقانون البحار (‘ ITLOS ) بشأن ترسيم الحدود البحرية بعد الرأي الاستشاري لشاغوس. في حكمها، رأت الغرفة الخاصة التابعة للمحكمة الدولية لقانون البحار أن سيادة موريشيوس على أرخبيل شاغوس يمكن استنتاجها من قرارات محكمة العدل الدولية في الرأي الاستشاري لشاغوس ،وخلصت الغرفة الخاصة إلى أنه على الرغم من أن الرأي غير ملزم قانونًا، إلا أنه له أثر قانوني ولا يقل سلطة عن القرارات القضائية.
في فبراير 2020، بعد اعتماد القرار 73/295 ، نشرت خرائط الأمم المتحدة خريطة جديدة تشمل أرخبيل تشاغوس في أراضي جمهورية موريشيوس ، وفي أغسطس 2021، اعتمد الاتحاد البريدي العالمي أيضًا إجراءات تتطلب ألا تشير أي وثائق أو طوابع إلى أرخبيل تشاغوس باعتباره جزءًا من المملكة المتحدة.
تأثير الفتاوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية
في حين لا توجد آليات رسمية لإنفاذ آراء محكمة العدل الدولية، فإن الضغط الدولي قد يكون له تأثير أقوى على الدول التي تسعى إلى الاعتماد على الإطار القانوني الدولي ومؤسساته.
ففي نوفمبر 2022، وافقت المملكة المتحدة على فتح مفاوضات مع موريشيوس حول مستقبل أرخبيل تشاغوس وعودة السكان السابقين إلى الجزيرة ، وقد يستمر الضغط الدولي في التأثير على موقف المملكة المتحدة في نزاعها مع موريشيوس نظرًا لأنها أظهرت بشكل عام دعمًا قويًا لمحكمة العدل الدولية باعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.
أيضًا تحظي الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية بقبول واسع النطاق من قبل الباحثين في تفسير الإطار القانوني الدولي، ومحكمة العدل الدولية نفسها لا تفرق في الطريقة التي تشير بها إلى قراراتها القضائية وفتاواها في دعم الطروحات القانونية.، كما أن محاكم أخرى، مثل محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، تعتمد بالمثل على فتاوى محكمة العدل الدولية في قراراتها.
ماذا ستفعل الجمعية العامة ؟
أمام الجمعية العامة خيارين بعد استلامها الرأي من الأمين العام للمنظمة على فتوى من محكمة العدل الدولية:
أولا : النظر في الرأي واتخاذ الإجراء: يمكن للجمعية العامة أن تنظر في التوجيه القانوني المقدم من محكمة العدل الدولية وتستخدمه لتوجيه قراراتها أو إجراءاتها بشأن هذه القضية، والتي صار من بينها انهاء الاحتلال الإسرائيلي ، وتفكيك المستوطنات ، و التأكيد علي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، وقد يشمل ذلك اعتماد قرار، أو تقديم توصيات إلى الدول الأعضاء، أو اتخاذ خطوات أخرى لمعالجة المسألة القانونية، كما طلبت ذلك أمس المحكمة .
ثانيا : عدم اتخاذ إجراء: ليس ثمة موجب قانوني ورد في ميثاق منظمة الأمم المتحدة ، ولا في سابقات الجمعية العامة يلزم الجمعية العامة للمنظمة باتخاذ أي إجراء محدد بناءً على الرأي الاستشاري .
ختاما يُعد الرأي الاستشاريّ سندًا شرعيًا وعتبة قانونية هامّة لفلسطين والمجموعة العربية لمواصلة مسيرة النضال القانوني والدبلوماسي والإعلامي، لأجل نيل الشعب الفلسطيني مبتغاه في تقرير مصيره.