الاول نيوز – رنده محمد سليمان الرواشدة
الاعتدال هو الاستقامة، والاستواء، والتزكية، والتوسط بين حالين، بين مجاوزة الحدّ الطلوب والقصور عنه، كما يعرف على أنّه الاقتصاد والتوسط في الأمور، وهو أفضل طريقة يتبعها المؤمن من أجل تأدية واجباته نحو ربّه، ونحو نفسه.
والاعتدال في التعامل مع الناس يعني ألا يتفاءل الإنسان بهم كثيراً، ولا يتشاءم منهم كثيراً، وبمعنى آخر ألا يعوّل عليهم بشكل مبالغ فيه، ولا ينفض يديه منهم أيضاً كالمصاب باليأس، بل هو ينظر لهذا الأمر باعتدال، ويقيسه على نفسه، فهو واحد من الناس، والعاقل خصيم نفسه كما يقال، يقيس المعدل العام للناس على نفسه، وهو يعلم – برضا – أن هناك من هو أفضل منه، ومن هو أسوأ منه.. والمعتدل في تعامله مع الناس لا يتوقع منهم الكثير، ولكنه لا يريد منهم هذا الكثير أيضاً، فهو واقعي، عقلاني، ولا يعني هذا أبداً أنه مجرد من العاطفة، بل له عاطفة جميلة، ولكنها هي الأخرى متوازنة قد أحاطها العقل بسياج من الهدوء والاعتدال.
والوسطية هي منهاج العدل والخيار، وهو أحسن منهاج للأمور وأفضلها وأنفعها للناس وأجملها، كما تعرّف على أنّها الاعتدال في كلّ أمور الحياة ومنهاجها وتصوراتها ومواقفها، فالوسطية ليست مجرد موقف بين الانحلال والتشديد، بل تعتبر موقفاً أخلاقياً وسلوكياً ومنهجاً فكرياً.
ومن مظاهر الوسطية والاعتدال صفة محبّة الخير للناس كافّة، حيث تعدّ هذه الصفة من أهمّ الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الفرد، وهي أصل كلّ الأحكام والتشريعات، ومن تمام الإيمان أن يحبّ المرء لأخيه ما يحبّه لنفسه، وأن يحبّ الخير والمنفعة للناس كافّة، ويأمر بالمعروف لهم وينهاهم عن فعل المنكر والكبائر.
ولعل منطق الحياة وفلسفتها وطبيعتها، فرض أن يتعامل الأخيار بالوسطية والاعتدال وبالتوازن القائم بينهما، ليس في مجال محدد من مجالات الحياة، وإنما بكل تلك المجالات وسنامها المجال الإنساني، فالتطرف ينقض الاعتدال والانغلاق الفكري يهيء سبل الاعتداء على الآخرين وبالتالي مجافاة للحرية والانفتاح.
وفي أردن العزة كانت الوسطية منهج يحيث أنها سارت إلى جانب الاعتدال في التعاطي مع الجميع، فالحرية الفكرية وسياسة الحكم الرشيد هي من ثوابت المنهج الوسطي المعتدل الذي سار فيه أردن المجد منذ تأسيسه على يد الملك المؤسس رحمه الله ومشى في أثره بقية الأشراف في حكم البلاد والعباد.
إن حجم الأردن ومساحته المتواضعه جغرافياً لم تمنع تميزه الحضاري في الخارطة السياسية العالمية في ظل وجوده في هلال الأزمات وسط بؤرة الصراعات والتحالفات العربية والإقليمية والدولية، لذا بانت أهمية الأردن وصحة منهجه المعتدل في تعامله مع كل الأزمات التي شهدتها المنطقة ووسطية سياساته العقلامية والحكيمة وخاصة أمام المد الإسرائيلي في المنطقة العربية، فما كان للأردن إلا التمسك بالثوابت الوطنية والتوجهات القومية والتسامح الديني والتعاطي الإنساني مع موجات النزوح البشرية التي أوجدتها صراعات الاضداد واختلافات الأنداد، وهذا هو السبيل الأنجع للبقاء والاستمرار في حالة الاستقرار رغم التحديات الجسام التي غالباً ما تستهدف المنجزات الوطنية والاستقرار الأمني والاقتصادي.