العزوني: عمان الشرقية جزء من الوطن..واللاجىء تغريبة وطن نُسج بالدم والكفاح

الأول نيوز – قال النائب اندريه حواري العزوني خلال الجلسة الصباحية التي خصصت للرد على خطاب الثقة لحكومة الدكتور بشر الخصاونة ، أن بيان الحكومة انشائي ولا يوجد روابط بين فقراته.

وأكد أنه كان ينتظر أن يكون الانسان محور أي خطاب حكومي، وان يركز على المواطنة والمساواة والوحدة، لا ان يركز على تفاصيل الرقم “لان الشيطان دائما يكمن في التفاصيل”، مشيراً أنه يشعر في كل خطاب حكومي أن الحكومة وفريقها الوزاري مدانين، وأن مجلس النواب يمثل المحكمة التي تبحث الحكومة من خلاله إلى صك البراء.

ودعا حواري الحكومة عقد احد اجتماعاتها في عمان الشرقية، وزيارة المناطق التي تعتبر جزء من الوطن، لكن ليست جزء من اهتمامات وقرارات الحكومات المتعاقبة على الدوار الرابع.

وفيما يلي نص الخطاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادةَ رئيسِ مَجلسِ النواب

السادةَ النواب

السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه وبعد :-

لقد استمعتُ للبيان الوزاري وأعدتُ قراءتَه أكثَرَ مِنْ مَرّة، برغم فجاعةِ الإنشاء فيه، ولا تأخذُ مِنهُ كيف يُفكرُ عَقلُ الدولة في مُستقبلِنا، وواضح أنه تم بعمليةِ تجميعٍ مِنْ قِبَلِ وزارات الحكومة، ولا رابطَ بين فَقْراتِه، فهو مِن دون هُوية، ولا يختلف شيئًا عن معظم البيانات الوزارية السابقة.

كنتُ أُحِبّ دومًا وأتمنى أن يكون الإنسانُ هو محورُ أيِّ خطاب حكومي، وأن يُركّز على المواطنة والمساواة، والوحدة.. لا أن يُركز على تفاصيل الرقم،  فالشيطان دائمًا يكمن في التفاصيل.. لكنني للأسف،  في كل خطابٍ حكومي،ٍ أشعر أن الحكومة فيه مُدانة، وأننا في مجلس النواب نُشكّلُ المحكمة التي تبحث مِن خلالها عن صك البراءة.. وهنا أسأل لِمَ تضعُ الحكومات نفسها في موقع المُدان دائمًا وموقع الضحية أحيانا.. وموقع المسكين في أحايينَ أخرى.

سأترك الحديث عن تفاصيل البيان الوزاري والرد عليه، لأدخلَ في عمقِ تفكيرِ الدولةِ ونحن نحتفل بكبرياء بمئويةِ التأسيسِ، لعل المجسات الناضجة تلتقط هذه الرسالة وتَصبُغَها بالنوايا الحسنة التي أُقسم بكل ما هو عزيز، أنها الهدف والأمنية…..

سعادةَ الرئيس…   السادةَ النواب…

لست هنا في معرض الرد على زميل نائب، لا في إطار الهجوم ولا في إطار الدفاع .. ولكني هنا معنِيٌ أن أوضح لشعبنا الكريم معنى اللاجئ دفاعا عن نفسي أولا.. ودفاعا عن الفلسطيني الأبي الحر، الذي نسج تغريبته بالدم والنضال والكفاح …

سعادةَ الرئيس.. السادةَ النواب

في نهاية السبعينيات، كانت هنالك أيقونة فلسطينية اسمها دلال المُغربي،  ولدت في مخيم صبرا بلبنان , ولأنها لاجئةٌ ومؤمنةٌ بفلسطين وطنًا وقضيةً ..كُلِّفَت مِنْ قِبَلِ المقاومةِ الفلسطينية،  بقيادة عملية دير ياسين  والتسلل ليلًا في العمق الصهيوني المُحتَل.. ردًا على قيام (إيهود باراك) بتنفيذ عملية اغتيال غادرة جبانة، وهو متنكر بزي امرأةٍ فلسطينيةٍ وقد أخفى وجهَهُ القبيحَ بالمساحيق، قام بها في قلبِ بيروت واغتالَ القادةَ الفلسطينيين كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار ….

دلال اللاجئة الفلسطينية كانت في التاسعةِ عشرةَ من عمرها، وكان ياسَمين الخليل ينبت على كفّها، وزيتونات فلسطينَ قد أنارَت وجهَها، وكانت أكثرَ ما كانت وردةً، شوكها مِن الرصاص والقنابل والإرادة …

قبل العملية أصدرَ قادةُ المقاومةِ الفلسطينيةِ – أغلبهم من اللاجئين – بيانًا قالوا فيه للصهاينة: نحن الفلسطينيين لا نتخفّى في زِيّ النّساء، وسنرسِلُ لكُم امرأةً فلسطينيةً تُعلّمُكُم ماذا يَعني الدمُ الفلسطينيُ القاني، وماذا يعني الكفاح.. وماذا تعني الثورة ..

قادت دلال العملية، وكان البحر هائجًا يقذفها إلى اليمين تارة وإلى الشمال أخرى.. وقد حرَف الموجُ القاربَ أكثر مِن مَرةٍ،  وبِرغمِ هذا تسللوا لفلسطين ووصلوا.. وهناك نُفّذَت العملية، فكانت الحصيلة عشرات القتلى من المجندين الصهاينة.. وعشرات الجرحى، ودلال كانت تدرك أنها ذهبت لحتفِها..  للشهادة… هذه اللاجئة الفلسطينية هزَمت الصهاينة يومها،  ولأن الصهاينةَ كِيان مِن الحقدِ والأنانية.. فَقَدَ (إيهود باراك) ثقته بنفسه وأطلق عليها النار أمام كاميرات التلفزة .. ونُشرت صورتها على صفحات كبريات الصّحف العالمية، رسالة عن معنى المرأة الفلسطينية ومعنى اللجوء .. ورسالة أخرى عن هزيمة الصهاينة …

سعادةَ الرئيس

هل تكفي دلال المُغرَبي تعريفًا عن معنى اللاجئ الفلسطيني ؟ …اللاجئ تعني الشرف والكرامة،  تعني الصبر … وتعني أن القلب فيه بوصلة واحدة تُشيرُ إبرتها للقدس، وبغيرِ القدس لا تَطيب الحياة …واللاجئُ تعني صبر أيوب على الآلام .. وتعني أن الفلسطينيين الموزعين في المخيمات على أطرافِ العواصمِ .. سيبقون متمسكينَ بقضيتهم ..طال الزمن أم قَصُر،  وسيعودون لبلادهم..حاملين دماءَهم على أكفِّهم , وسَيُعيدون غرس الزيتون فيها .. وسيعيدون لأرضِ فلسطينَ ابتسامتها .. وسيستعيدون كل الذكريات الجميلة … اللاجئ كلمة تعني البسالةَ والاقتدارَ ، تعني أيضًا أن بشرًا في ميزان العدالة السماوية سيقفون يوم الحشر بين يدي ربِّهم مظلومين لا ظالمين، وسينصفهم الله، فعنده يجتمع الخصوم ..,عنده يأخذ كل ذي حق حقه …

سعادةَ الرئيس..  السادةَ النواب

محمود درويش سيّدُ الفصحى، وإمامُ الشعر العربي كان لاجئًا أيضًا ….وناجي العلي الذي صنَع وطنًا من الخطوط والكلمات وجعل حنظلة قائدا ..كان لاجئًا ..وغسان كنفاني الذي هزَم بقلمه صواريخ الصهاينة كان لاجئًا ..وسيبقى شعبُ فلسطين العظيم شعبَ الجبارين والأسياد والدم الخضيب الطاهر ..سيبقى مؤسس نظرية اللجوء، التي أرست دعائم الحياة والصبر والنضال ….

سعادةَ الرئيس.. السادةَ النواب..

لأني من عمّان الشرقيةِ حيث الناس هناك تدخل الشمس بيوتهم أقل مما تدخل في الغربية، ومع كل لقمة خبز .. يشربون القناعةَ مع الماء، ويدعون للبلد وقائدها … وددت أن أنثر وجعًا يقض المضاجع، لقد خلقَ الله البشرَ سواسية .. لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وقد كان قدري في الانتخابات الماضية أن أطوف على المنازل وآكل معَ أهلها في صحن واحد، ونتبادل الهموم ..والشكوى،  وأفهم منهم معنى الوجع ..ومعنى الشقاء … أما الوطن فصدقوني أنه في أعيُن الفقراءِ أجمل، وصدقوني أنه في قلوبهم لا يرحل ولا يتزعزع …وصدقوني أيضا ..أن أهلي في عمّان الشرقية، يحبون هذا البلدَ أكثرَ مما يعشقُ النخلُ جذوره .. والنهرُ منبعَه أو مصبّه… لكن لهم مطلبًا معنويًا وليس بالمادي، وقد سمعته في أغلب البيوت … وهو أن يكون لهم ابن أو ابنة في الجيش أو أجهزة الأمن،  الناس هناك ينظرون للجيش والأمن العام على أنها مؤسسات هي الأعلى في سلم الوفاء للبلد، وينظرون لمنتسبيهما على أنهم وحدة القياس في التضحية والانضباط والتفاني لأجل العرش والتراب … وهم حين يطلبون هذا لا يطلبونه من زاوية التفسير الخطأ لمن ضلّت بوصلتهم،  ولمن حاولوا أن يضعوا أبناء الوطن في خانات التوطين أو خانات الحقوق المنقوصة …صدقوني أن الشعب في عمّان الشرقية لا يعرفون هذه المسميات ولا يُعيرونَها أدنى اهتمام … لكنه ردٌ جميلٌ لوطنٍ، احتضن الكل على ترابه الطاهر، وعلمنا معنى التسامح .. وكيف يكون الوفاء , وطن مزج الدم بالدم …والناس فيه ولدوا على شمس الكبرياء والحرية , وطن لم يُقسِّم ولم يُفرّق …

سعادةَ الرئيس.  السادةَ النواب

من حق أبناء عمّان الشرقية , أن يخدموا هذا البلد …من حقهم أن يكون لهم أسماء بين الشهداء الذين سقطوا وهم يقاتلون الإرهاب ويدافعون عن الدم والحياة ..من حقهم أن يكونوا جنودا يحملون البنادق دفاعا عن البلد والعرش ….والله لو أن الدنيا كلها اجتمعت ..فلن تُفرّق بين قلبِ كركيٍ وآخرَ خليليٍ , لو أن الدنيا كلها اجتمعت فلن تمنع دمعًا يسقط في الكرك مِن أن يسيل على خد خليليةٍ أو خليلي …لقد كنت أتابع بعض صفحات أهلنا في خليل الرحمن , حين دَهَمَ الإرهاب الأعمى مدينة الكرك …كنت أحس أن الرصاص لم ينطلق لصدور العسكر والناس في الكرك بقدر ما اخترق قلوب أهل الخليل …كنت أحس أن الخليل بكل شعبها ومساجدها ..ودكاكينها قد رحلت للجنوب تواسي شقيقتها الكرك وتمسح عن خدود أهلها الدم والدمع …نحن لنا القدر نفسه والمصير , نحن لنا الوجه نفسه والجبهةَ واللكنة …وسيبقى الأردن وطني وحياتي، ومهوى فؤادي ..وأرض الحلم المباح،  ودوائي حين تَدهَمُني أوجاعي.

سعادةَ الرئيس..  السادةَ النواب …

اما بالنسبة للقضية الفلسطينية , أود هنا أن استشهد بالراحل وصفي التل الذي قال في محاضرة له على مدرج سمير الرفاعي في الجامعة الأردنية منتصف الستينيات : (لا يوجد قضية اسمها القضية الفلسطينية،  بل يوجد عدو اسمه “إسرائيل” …إن تغليب القضية على العدو يعني البحث عن حل , أما تغليب العدو على القضية فيعني البحث عن مقاومة وصمود وحرب …أنا مع ذلك , فنحن في خطابنا السياسي نركز على القضية وننسى أن هناك عدوا هو سبب كل هذا البلاء , حتى برغم  اتفاقية السلام التي وقعناها مع هذا العدو …إلا أن عقيدة المؤسسات لدينا – والحمد لله- لم تتغير , فلو سألت أيّ أردني  عسكريّا أم مدنيًا ..من هو عدوك ؟ سيجيب على الفور “إسرائيل” ….

إننا نحتاج في هذه الفترة لإعادة صياغة بوصلة الإعلام والتعليم تُجاه حقيقةٍ لا شك فيها وهي أن “إسرائيل” عدو وليس بالجزء الأصيل من المنطقة , في ظل تهافت بعضهم ومحاولة تصوير ما يحدث من اتفاقيات على أنه سلام شعوب …ولا أظن ذلك، فالعربي كان مسلما أم مسيحيا , يدرك ويؤمن بأن “إسرائيل” محتلة ومغتصبة .. وجزء هجين زُرع في أرضنا العربية , لهذا فمقولة وصفي التل لم تكن عبثية، بل هي نتاج خبرة رجل التحق بجيش الإنقاذ الفلسطيني وقاتل على تراب الجليل …

سعادةَ الرئيس..  السادةَ النواب

لقد صبر هذا الشعب أكثر من غيره , والأردني بطبعه مقاتل وغيور وصعب المراس , ومن خلال السلوك الحكومي …وأنا لا أقصد هذه الحكومة حتما فهي مازالت في بدايتها , تكون لديه حالة عداء مع الجسم الحكومي وسلوكات أغلب الحكومات , وحين يسود هذا النمط من العلاقة …فاللوم لا يقع على شعبٍ أطفأت النكبات نور عينيه , وإنما يقع على سياسات الحكومات الإقصائية .. غير المدركة للمشروع الإجتماعي والتأريخي لهذا الوطن , والتي تقوم على المحاباة والترضية ..والتي تطل من عمان الغربية ….للأسف عمان الغربية صارت هي مقر الحكومات والمؤسسات السيادية , ومن المستحيل أن تجد مؤسسة سيادية واحدة في عمان الشرقية …ولا أظن أن رؤساء الوزارات السابقين يعرفون الأحياء هناك أو الشوارع أو الناس …ولا أظن أن رئيسا قرر ولو ليوم واحد في الشهر أن يعقد اجتماعا لمجلس الوزراء , في حي من عمان الشرقية أو في ناد أو ملتقى …إن سبب هذا الكره وهذه العلاقة التائهة بين الحكومة والناس , هو ابتعاد الحكومات عن القواعد الشعبية …وإطلالتها على الناس عبر الشاشات والكنب الفاخر والصالات المكيفة …

الحكومات لن تعرف وجع الناس وبؤسهم إن لم تعش بينهم …لهذا أدعو رئيس الوزراء , في الأقل لو أنه يقيم مقرا لبعض الهيئات المستقلة المترفة في عمان الشرقية …لو أنه يخصص يوما كي نفتح له بيوتنا ويعقد اجتماعاته هناك , وستحرسه أعينُنا وقلوبُنا .. وسنحمله على الأكف ..

سعادةَ الرئيس..  السادةَ النواب

نحن نحتاج لأن نفهم بعضنا , لأن ندرك أننا جميعا في مركب واحد… والخير لن يفرق بين كف وأخرى , أو بين مُهجة وأخرى …أدعو الله أن تكون الكورونا بردا وسلاما على الأردنيين وأن تزول غَيمتها وتُشرق علينا شمس العافية من جديد ..وأدعو الله أن يأتي يومٌ , يعود فيه كل لاجئ إلى مسقط رأسه ..وتعود فلسطين حرة كما ولدت , وينبت الزيتون فيها حرا محررا من قيود وأغلال المستعمر ..

حمى الله الأردن وعاشت فلسطين وعاش الملك.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

“النواب” يوافق على مشروع مُعدل “العقوبات” 2025

الأول نيوز – أقر مجلس النواب بالأغلبية، مشروع قانون مُعدل لقانون العقوبات لسنة 2025. جاء …