د.شهاب المكاحله — واشنطن-
وصلتني قبل أيام رسالة تتحدث عن صبي يقود دراجته الهوائية وحين تعب من القيادة أراد أن يركنها، فلم يكن أمامه سوى مجلس الأمة، فركنها وذهب ليشتري عصيرا. وفي تلك الأثناء صاح عليه رجل أمن وقال له: يا هذا، كيف تترك دراجتك الهوائية هنا؟ هنا مجلس الأمة حيث النواب والوزراء. فرد الولد: لا تخاف، ربطت الدراجة بقفل.
تلك قصة قد تكون ملخصا لما يجري من حولنا وما هي حقيقة مصائبنا. أنا لا أنتقد أحدا ولكن اتكلم بلسان كثير من الأردنيين الذين أعيش بينهم واحس بما يألمون ويعانون كل يوم.
صحيح إن الفساد في العالم قد وصل الى مرحلة المأسسة وفي عالمنا العربي الى مرحلة الحرفنة والعبقرية في آلية عمله وطرائق حيله وصعوبة مكافحته إلا أن الواقع في الأردن يميل ما بين مرحلة الهواة والحرفنة وآمل أن لا تصل الحرفنة الى هذا الداء في بلدنا الحبيب. فحين نتحدث عن نواب يُشرِعون القوانين التي تخدم مصالح أصحاب رؤوس الاموال ومن في حكمهم فإن ذلك قمة الفساد. وحين يكون المشرع والمنفذ فاسدين في غالب الأحيان فإن الهوة ستكون عميقة بين الشعب والحكومة لأن الشعب يدرك بأن ليس كل ما يقال ينفذ باستثناء كل ما هو ضد المواطن. لذلك لو سألت أي أردني في الداخل والخارج عن رأيك في الحكومات الأردنية لوجدت بعضهم يقول: خلينا ساكتين أحسن.
إذا كان النائب لا يمثل الشعب وإذا كان المنفذ للقرارات لا ينفذ القرارات بحق أشخاص وينفذها بحق آخرين فأين يكون ولاء المواطن الذي باتت تعتصره الديون وتلاحقه الهموم من كل صوب. لم اجد في إعلامنا وللأسف من يطالب بحقوق المواطنين المنهوبة والتي ذهبت لجيوب المتنفذين.
قد تكون المطالبة باستعادة حقوق المواطنين متأخرة أو في الوقت الضائع لكن طالما هناك فساد وطالما هناك محسوبيات و”حُكلي وبحكلك”، لن ينصلح حال المجتمع الذي بات فيه الفاسد يعلو في الهرم المجتمعي على اكتاف الكادحين من ابناء الوطن.
في العام 1991، نشرت جامعة كاليفورنيا كتابا لروبرت كليتجارد بعنوان “السيطرة على الفساد”، (Robert Klitgaard: Controlling Corruption).ويقول الكاتب لا يحدث الفساد إلا حين يقدم الشخص مصالحه الخاصة على المصالح العامة وهنا لا يتحدث عن أي شخص بل من هو في موقع المسؤولية. وأن أية مديونية للشركة أو للمؤسسة وهذا ينطبق على الدول يعزى لسوء التخطيط والادارة والتنفيذ. وهذا هو حالنا في الاردن.
انا من الجيل الذي عايش انهيار وافلاس بنك البتراء وكيف دفع المواطنون ثمن المديونية من جيبوبهم وخلنا في ذلك اليوم أن من تسبب في انهيار البنك ستعلق مشنقتهم أمام الجامع الحسيني. ولكن وبعد أشهر تبوأ بعض هؤلاء حقائب ومهام ومسؤوليات داخلية وخارجية وكأن شئيا لم يكن. اليست تلك الأموال الطائلة لو استثمرت في ذلك الحين لكانت عونا لنا في ايامنا العصيبة اليوم؟
يمثل الفساد تحديا خطيرا وعائقا كبيرا في طريق التنمية في كل مجتمع لأنه يقوض دعائم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتعددية السياسية ما يؤثر ليس فقط على توزيع الثروات بل وعلى تقديم الخدمات. كما يؤثر الفساد على الموارد البشرية التي ينتابها حس بعد تفشي تلك الظاهرة بعدم الولاء والانتماء. وهذا هو أخطر ما يواجه أي مجتمع لأن ذلك يعرض الوطن إلى حالة من عدم الاستقرار الامني سواء المجتمعي بخلخلة منظومته السكانية والطبقية أو من المخاطر والتهديدات ومنها الارهابية والانتماء للتنظيمات المتشددة. وهنا مربط الفرس. فكلما زاد التهميش وزاد الفساد قل الولاء والانتماء وزادت وتيرة ونزعة وميل الشباب للانحراف الشيطاني نحو التطرف والارهاب كوسيلتين للتعبير عن الهوية والذات والحصول على ما لا يستطيعون الحصول عليه بالطرق المشروعة لان من يسرق رغيفا يسجن ومن يسرق مليونا يكافأ. وهذا الشعار إذا ما انتشر علينا ان نقرأ الفاتحة على أي مجتمع تسوده تلك الفاجعة.
أتمنى أن ينعم الله علينا بمسؤولين لديهم حس وطني لا مناطقي أو قبلي أو عائلي أو شخصي، وكان الله في عون الاردنيين حتى لا نقول فات الفوت.
.
الوسومالأول نيوز شهاب المكاحلة قصة الدراجة والفساد والنواب
شاهد أيضاً
تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!
أسامة الرنتيسي – الأول نيوز – حاشا لله أن يكون هدفنا وضع العصي في دواليب …