تعّلم لا ينسى

 
ذوقان عبيدات –
 
اعجبت كسائر المشاهدين بمسرحية إبراهيم طوقان في مدرسة عمّان الوطنية مساء الخميس 29/3/2018 ، ولم يكن سر إعجابي عائدا إلى دقة التمثيل وعمق الإخراج . كما لم يكن الموضوع هو الجاذب الأكبر . ولم تكن صالة المسرح هي ما دفعني إلى الكتابة . فقد كانت جميع التقنيات والشكليات  والجماليات في منتهى الدقة والإتقان !!
إذن ! ما الذي يدفع إلى الكتابة عن هذا النشاط ؟
 
هناك عدة مسائل مهمة :
 
الأولى :   إن تعليم الوطنية والهوية والمواطنة وحقوق الإنسان لا يتم من خلال درس في اللغة العربية أو التاريخ أو التربية الوطنية ، كما أنه لا يتم من خلال نشاط منهجي مدرسي تلقيني ، يشرح للطلاب مفاهيم المواطنة والوطنية وغيرها ، بمقدار ما يتم من خلال سلسلة من العمليات غير التلقينية ، فالاتجاهات تبنى من معايشة حقيقية تنقل الطالب إلى حالة تقمص للحدث وممارسة حقيقية للقيم .
      فلم يشرح لنا مخرج المسرحية ولا كاتبها عن الوطن والهوية ، كما لم يقم أي ممثل أو ممثلة بأية عمليات وعظية إطلاقا .
      لقد بنت هذه المسرحية إتجاهات إيجابية في عدد من النتاجات المطلوبة :.
      فالوطن ليس مجرد جغرافيا . بل كائن حي ناطق حافز مقاوم ، والمواطنة ليست حديثا عن التنوع والمساواة في الحقوق . بل سلوك مباشر يعيشه الطالب ويقدمه نموذجا لكل من حضر المسرحية .
      نجحت المسرحية في بناء الاتجاهات دون الالتزام بنصوص معينة ولا بإعراب الجمل أو معرفة جيولوجيا الوطن ، ولا الضغط الجوي ولا التغيرات الفيزيائية والكيميائية ، ولا حتى استخدام الحاسوب .
      نعم حققت المسرحية أهداف التعلم من دون نقاش حول أهمية المواد الدراسية المختلفة والذي أغضب كثير من أفراد مجتمعنا ومعلمينا ، لأن موادهم صارت اختيارية .
الثانية :    تكاملت المعرفة في بناء الاتجاهات , وبسرعة مذهلة ، فالمسرحية تحدثت عن التنوع الديني باحترام شديد ، دون أن تبذل جهدا عن التنوع واحترام الآخر ، بل أدرك جميع الحضور أن الشعب يحتفل بأعياد الأضحى وأحد الشعانين دون أي تكلف ! كما أبرزت تاريخ المقاومة الفلسطينية ، دون حديث عن الخلفاء والحكام وفتوحاتهم ونضالاتهم .
1
      وفي مجال الحب ، كانت المسرحية تعج بمواقف الحب في مواقف لا يمكن التشكيك بصدقها ، فقدمت المسرحية في لمحات ما لن يقدمه المنهج المقرر المطلوب حفظه دون فوائد استراتيجية ، وصفق الجمهور لمواقف الحب تماما كما صفق لمواقف النضال والمقاومة !!
      وفي مجال المرأة ، لم تقدم المسرحية مظاهرة أو ندوة تبرز مكانة المرأة ، بل قدمت شابات وشبابا يعملون معا ، دون بروز أي جندر . فالطالبات كن بين المجتمع ، والأمهات في ساحة النضال تماما دون أي توجيه لحقوق المرأة ، وخرج مشاهد المسرحية بقناعة تامة إلى الشراكة الحقيقية في كل قضايا الوطن . والشعر كان الملهم والحافز ، بل كان من يحلل الواقع ، ويتنبأ بالمستقبل .
                  أمامك أيها العربي يوم                  تشيب لهوله سود النواصي !!
      أليس هذا ما يحدث حاليا ؟؟
 
      إذن ، كان الشعر إلى جانب الحب والنضال والمرأة حيث يصعب التمييز بين هذه المواقف . بل كان الوطن دائما بين العاشقين !! .
وكانت الموسيقى دليلا وهاديا لكل كلمة  ولكل موقف,
      المسرحية لم تكن درسا في الشعر ولا التاريخ ولا الحب ولا الحقوق ولا الهوية الوطنية ولا المواطنة ، بل تكامل
  حقيقي بين المواد الدراسية المختلفة .
      ولعل هذا ما يحقق هدفين هما :
1- تعّلم لا ينسى عاشه الممثلون والمشاهدون وسيبقى معنا ومع الطلاب ممثلين ومشاهدين ومع أهالي الطلبة الذين حضروا وصفقوا بحماسة .
2- التعلم هو الحياة ، فقد تمكنت المسرحية من وضع المفاهيم والمواد الدراسية معا على المسرح دون تمييز بين مادة مهمة وأخرى غير مهمة لقد تعلمنا دون أن يطلبوا منا حفظ النصوص وحل الواجبات والاستعداد للامتحانات ودون استدعاء الدرك لتأديبنا وحفظ هيبة ما ليس له هيبة!!.
      فالتعلم نشاط يقوم به الطالب أكثر من نشاط يمارسه المعلم ، والتعلم ليس شرحا ولا وعظا ولا امتحانا .
الثالثة :    لقد فطنت وزارة التربية إلى أهمية النشاط ودوره في توفير تعّلم لا ينسى ! وهذا النوع من التعلم يتميز بالتلقائية وسرعة التأثير ودوام التأثر . هذا كلام مفهوم . وما ليس مفهوما أننا لم نعتمد بعد الإجراءات التي تسمح لمدارسنا بالتحول التدريجي إلى نشاط .
     
2
      والتحول إلى مناهج النشاط يتطلب :
1-  إعادة النظر في الخطة الدراسية لكل صف ، بحيث تسمح الخطة بإدماج النشاط ووضع حصة نشاط مقابل كل حصة عادية تمهيدا لجعل كل التعلم حصص نشاط .
      ففي التاريخ مثلا حصتان : حصة عادية وحصة تسمى نشاطا تاريخيا وكذلك في الفيزياء والجغرافيا واللغات والدين وغيرها . وتكون حصة النشاط التاريخي مثلا مسرحا أو دراما أو معرضا أو زيارة أو فحص وثيقة ، وهكذا في بقية المواد .
      وبذلك لا يكون النشاط خارج المنهج وخارج الدوام وعبئا إضافيا على المدرسة والطلاب ، بل جزء من حياتهم المدرسية اليومية دون زيادة في الوقت .
2- وضع أدلة للأنشطة وتقديم نماذج نشاطات في كل المواد الدراسية ، مع التركيز على أن يشمل كل نشاط تضافرا من مواد دراسية مختلفة .
3- تدريب المعلمين وتوعية الأهالي بأهمية هذا التغيير القادم .
 
ملاحظة :
      سألت مديرة المدرسة ، لماذا لم تدع وزارة التربية ؟ جاء الجواب صادما !! تمنيت لو حضر مفكرو الوزارة ومدربوها ومشرفوها هذه المسرحية ! فالمدارس هي مختبرات التعلم !! أليس هذا ما ورد في الورقة الملكية السامية ؟؟ .

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

عمّان.. إصابة بليغة بحادث دهس في مسار الباص السريع

الأول نيوز – أُصيب شخص إصابة بليغة في شارع الشهيد بعمان، إثر محاولته قطع الطريق …