أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – بعيدًا عن قضية الأمير حمزة والفتنة التي أوقفت البلاد والعباد على رؤوس أصابعهم لأكثر من 48 ساعة في الأردن حتى تبين محتواها، وتكشّفت بَعْدها خيوط جديدة كان آخرها على لسان رئيس الحكومة للأعيان والنواب. ولا تزال السيناريوهات مفتوحة على إحتمالات كثيرة وروايات متعددة.
تمر علينا الذكريات وكأنّ نيسان عام 1989 ما كان، وكأنّ التأريخ يُعيد نفسه من دون أن نتعلّم شيئًا، فالشعب الأردني كان قد استيقظ ذات يوم نيساني قبل 32 عامًا، وإذا برقم المديونية يتجاوز الــ (11) مليار دينار، يستيقظ الآن وإذا بالمديونية تصل إلى نحو 45 مليار دولار، والأرقام في ازدياد، من دون معالجات لمطالب مضى عليها كل هذه السنين.
في 5 آب من عام 2002 كتبت مقالًا في صحيفة “العرب اليوم” بعنوان “على الفقراء ان يشدّوا الأحزمة مِن جديد” وذلك بعد وصفة جديدة من صندوق النقد الدُّولي لمدة عامين، تذكرت تلك المقالة، فاسمحوا لي أن أقتطف بعض فقراتها اليوم، بعد أن كشف آخر تقرير حديث صادر عن البنك الدُّولي حول أداء الاقتصاد الأردني للعام الماضي وتوقعات العام الحالي 2021، أن يبلغ معدل انكماش الاقتصاد الأردني في العام الماضي إلى 3.5%. كما أظهر التقرير أن إجمالي الدين العام للأردن سجل العام الماضي 47 مليارا ونصف المليار دولار، ويتوقع أن يتخطى الدين العام الأردني العام الحالي 50 مليار دولار…(تْلولَحي يا دالية).
وتتكرر الحالة، ونستجدي صندوق النقد الدُّولي لمزيد من الاقتراض (نحو 9 مليارات دولار) وتطبيق برنامج يسمى إصلاحًا اقتصاديًا خلال الفترة المقبلة شرطًا للحصول على التسهيلات المطلوبة إلى حين الخروج من الضائقة المالية التي تعصف بالموازنة العامة.
نَصّ المقالة:
“لم يعد المعارضة واليسار بالذات في الساحة السياسية يهاجمان سياسات ووصفات صندوق النقد الدُّولي وحدهما فقط، ويعتبران برامجه التصحيحية للاقتصاد الأردني السبب الرئيس في اختلال الأوضاع الاقتصادية، بل انضم اليهما مسؤولون حكوميون كانوا في فترة ما يتعاملون مع أوسع شريحة من الفقراء في الأردن”.
“وزير التنمية الاجتماعية الأسبق محمد خير مامسر هاجم الإصلاحات الصندوقية قائلًا: “إن برامج التصحيح الاقتصادي المتمثلة بوصفات البنك الدُّولي، خاصة في الأردن أدّت إلى إلغاء دعم المواد التموينية ورفع أسعار الكثير من الخدمات الأساسية، ورفع الدعم عن التعليم تدريجيًا، وإلغاء الحماية الجمركية عن الصناعات الوطنية، وخفض الجمارك على مواد لا تهم الفقراء، وإصدار قوانين تَضرّ بمصالح الفقراء -الكلام ما زال على لسان مامسر- إضافة إلى توقيع اتفاقيتي الجات و WTO اللتين أدّتا إلى إضعاف شبكة الأمان الاجتماعي واختراق الخصوصية الثقافية للدول النامية، واختراق السيادة الاقتصادية، وسيطرة رأس المال الأجنبي على الشركات الوطنية ليصل مستقبلًا الى 100%.”
الالتزام الرسمي بوصفات وسياسات صندوق النقد والبنك الدُّوليين ليس جديدا، برغم ما أصاب اقتصادنا من اختلالات نتيجة هذه السياسات الصندوقية، ولكن الجديد هو التجرّؤ المستمر الذي لم يكن موجودًا في السابق بالكشف عن الاتفاقات مع الصندوق وآثارها الإيجابية في الأوضاع الاقتصادية في الأردن.
كانت في السابق زيارات وفود الصندوق ولقاءاتهم المسؤولين الأردنيين تتم بكل سِرّية، ولا أحد يتجرّأ على الكشف عنها، أمّا الآن فإن هذه الزيارات لبعض الوزارات لمتابعة أعمالها والإشراف على تنفيذها، يتم الإعلان عنها بالخبر المكتوب والصور المشتركة لكل هذه اللقاءات وتتصدر عناوينها واجهات الصحف والأخبار المتلفزة.
في مرّات قليلة اعترفت الحكومات أن قراراتها برفع الأسعار، وبالذات أسعار مواد الوقود جاءت نتيجة ضغوط الصندوق وجولة محادثات معه، بينما رفع الأسعار ورفع الدعم عن سلع، وزيادة ضريبة المبيعات، ورفع أسعار الكهرباء أصبحت اليوم على الغارب، ولا تقول الحكومات إن هذه القرارات جاءت بهدف إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدُّولي. (انتهت المقالة).
على الفقراء إذًا تَحمّل آلام عظامِهم بعد أن فقدوا اللّحم، وأن يشدّوا الأحزمة من جديد لأننا سنبقى تحت رحمة وصفات صندوق النقد وإملاءاته، ولا أحدٌ يدري إلى أين ستصل الأمور، وهل ستكون هذه الوصفة الجديدة كما يقول الأطباء؛ قبل الأكل أو بعده، إن وجد؟!.
بعد 32 عاما من المطالب الشعبية ذاتها، والاصلاحات المنتظرة لا نزال نراوح مكاننا، لا بل نسير بالعكس، وتتراجع أحوالنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لكننا ملتزمون بالنهج ذاته.. فهل هذا معقول؟!!…
الدايم الله…..