الخميس , أبريل 25 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

جوهر الصراع وطني وليس ديني

حاتم استانبولي * –

الأول نيوز – القضية الوطنية الفلسطينية عمرها 73 عامًا، من ضمنها 20 عامًا من محاولات إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية عبر سياسات الإلحاق والإلغاء والتشريد والإفقار؛ 20 عامًا انتظر الشعب الفلسطيني من المجتمع الدولي أن يمارس مسؤولياته القانونية، لتطبيق القرارات الدولية التي اتخذتها الأمم المتحدة بمجلسيها أهمها قرار العودة 194؛ خلال ال20 عامًا، لم يكن هنالك أي تنظيم فلسطيني قد أُسس بعد، من أجل تحرير فلسطين، بل كانت الحركات السياسية، مٌوَكِلة هذا العنوان للأنظمة العربية.

هزيمة حزيران المدوية، وما رافقها من تفكك وانكشاف للمنظومة الرسمية العربية، هيأت الظروف الموضوعية لانطلاقة الثورة الفلسطينية، وفتحت الباب لتأسيس التنظيمات الفلسطينية بكافة تلاوينها، منها من استمر ومنها من تلاشى عبر الالتحاق بالتنظيمات الأكبر، ولكن جميعها اتفقت على أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي إطارها الشرعي، هذا الإطار الذي تعاملت معه الأنظمة العربية بشكل متفاوت، منها من اعتبره خصمًا ومنها من تعاطى معه على مضض ومنها من تعاطى معه بحذر شديد، هذه المواقف كانت متحركة تتصاعد وتتراجع وتتغير تبعًا لموازين القوى داخل منظمة التحرير الفلسطينية، لكن أكثرية الأنظمة العربية، كانت تعمل على ترويضها ودمجها في منظومتها السياسية، مستخدمة سياسة الدعم المادي، الذي حرصت على توظيفه من أجل التلاعب في المكونات الداخلية للمنظمة وتنظيماتها وقواها وشخصياتها.

مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية بكافة قواها؛ حققت إنجازًا رئيسيًا هامًا يتمثل في إعادة إحياء الهوية الجمعية الوطنية الفلسطينية، هذه الهوية التي أعادت الاعتبار لعدالة القضية الوطنية الفلسطينية، وحصرتها في إطار الظاهرة الوطنية الفلسطينية، في ذات الوقت اتسم مفهوم تحقيق العدالة الفلسطينية مجموعة من الاشكاليات بين القوى الفلسطينية تمحورت حول جوهر مفهومها (العدالة) وأدوات ووسائل تحقيقها.

الثامن من ديسمبر عام 1987 شكل تحولًا نوعيًا في أدوات وأساليب النضال الوطني الفلسطيني عندما نقلت الانتفاضة الفلسطينية مركز الفعل الفلسطيني؛ من الخارج الى الداخل الفلسطيني؛ الانتفاضة التي شكل الحجر فيها أداة المواجهة الميدانية، وأصبح الحجر والعلم حدًا فاصلًا بين مرحلتين في النضال الوطني الفلسطيني؛ الانتفاضة، حيث مكانها وزمانها وطابعها وأداء قيادتها الميدانية التي وحدت شعاراتها الوطنية العامة انسجامًا مع سمتها الوطنية التحررية؛ شكلت ثنائية الحجر والعلم الفلسطيني؛ السمة العامة في المواجهة الفلسطينية لعدوانية إسرائيل الاحلالية؛ الانتفاضة الوطنية الفلسطينية، وضعت إسرائيل العدوانية، وحلفائها في مواجهة شعوب العالم التي تضامنت بكافة الأشكال مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية التحررية؛ الانتقاضة، فرضت ايقاعًا وطنيًا جديدًا في شكل وأسلوب المواجهة، لم تستطع إسرائيل الاحلالية، من ايجاد مبررات مقنعة لتسويق عدوانها واحتلالها الإحلالي.

النظم الاشتراكية، والقوى الوطنية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني في دول العالم، عبروا عن تضامنهم ودعمهم للشعب الفلسطيني وانتفاضه. الانتفاضة فرضت ايقاعًا يحمل كافة التلاوين الفكرية والسياسية والثقافية ووحدتها برمزية الحجر والعلم.

استطاعت عدسات الكاميرات الصحفية الحرة من نقل الصورة الوحشية لممارسات إسرائيل الاحلالية العدوانية؛ من تكسير للأيدي والأرجل وترك الكلاب تعتدي وتنهش أجساد الفلسطينيين، مما أدى إلى كشف عدوانية إسرائيل أمام العالم وسقطت صورة إسرائيل الديمقراطية؛ استطاع الحجر الفلسطيني أن يشكل عامل توازن في الوعي العام بين عدوانية الاحتلال وعدالة القضية الوطنية الفلسطينية.

الحجر الفلسطيني وحد أداة المواجهة الوطنية الفلسطينية الشاملة، بكل قواها الاجتماعية والسياسية، تحت راية علم فلسطين؛ من أجل الحرية وحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير مصيره على ترابه الوطني.

الانتفاضة الأولى من أحد أهم نتائجها أنها وحدت الجبهة الثقافية الوطنية الفلسطينية، بكل أدواتها ووسائلها التي عكست الجوهر التحرري الوطني للقضية الفلسطينية؛ الانتفاضة الأولى؛ أعطت دفعًا ودعمًا للقوى الوطنية الديمقراطية الفلسطينية التي قدمت نموذجًا للقوى الوطنية والديمقراطية العربية من أجل تحقيق حريتها وديمقراطيتها، هذه الصورة التي نتجت عن الانتفاضة وكان لا بد من تمزيقها وإدخالها في صراع مع ذاتها ومع حواضنها العربية والعالمية، حيث كانت الحالة الوطنية الفلسطينية العامة تحمل في داخلها كل الاتجاهات الفكرية من يمينها إلى يسارها.

في ديسمبر عام 1987، أعلنت حماس عن تأسيسها، هذا التأسيس الذي اتخذ قراره في المكتب السياسي لحركة الاخوان المسلمين في الاردن ( الدكتور رحيل غرايبة رئيس المكتب السياسي لحركة الاخوان في الأردن سابقا أطلقه في برنامج المشهد على قناة ال BBC مع جوزيل خوري في تموز عام 2019)؛ نشرت حركة حماس ميثاقها الأول عام 1988 الذي حدد أنها جزء من حركة الإخوان المسلمين، حيث حددت رؤيتها وأهدافها في إقامة دولة إسلامية في فلسطين؛ ظهور حماس في المشهد السياسي الفلسطيني ترك أثرًا كبيرًا في الوعي الفلسطيني، حيث بدأ انتقال من الوعي الوطني في الصراع إلى الوعي الديني، هذا أسَسَ لإبراز التعارض بين الوطني والديني، وهذا التعارض الذي استخدم من قبل بعض الأنظمة، ما قبل تأسيس حماس، في محاولات تقويض الأسس الوطنية للقضية الفلسطينية، واعتبار أن منظمة التحرير وفصائلها ومعاركها مشكوك في جدواها ومنافعها الدينية.

التحولات التي طرأت على العالم، من تراجع وتفكك المنظومة الاشتراكية، وانعكاسها على البنية الفكرية للتنظيمات الفلسطينية والعربية؛ أدى ذلك إلى حالة من الإرباك وعدم اليقين، هذه الحالة؛ أعطت التيار الديني الأخواني والسلفي؛ المدعوم من قبل الأنظمة العربية، إمكانية للتمدد وتعبئة الفراغ الذي تركه انسحاب وتراجع الفكر اليساري وقواه، لأسباب عدة ذاتية وموضوعية.

حماس تأثرت بعاملين؛ قرار نشأتها ومكان فعلها، هذان العاملان تحكما في سلوك حماس السياسي والميداني الذي عكس التعارض بين العاملين؛ نتيجة لعدم الثقة التي كان ينظر كلا منهما إلى الآخر.

العامل الأول؛ كان ينظر إلى أن تأسيس حماس يرفع الشرعية الدينية عن السلطة الفلسطينية ويعزز شرعيته التي هي عامل مهم لاستمرار تشريع دوره.

العامل الثاني؛ كان ينظر على أن تأسيس حماس هو اضعاف لدوره وشرعية تمثيله للشعب الفلسطيني، هذا التعارض ضُبِطَ لاحقًا بإطار الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل الاحلالية.

العامل الإسرائيلي؛ استثمر في البعد الديني للصراع من حيث إظهاره واعتباره؛ يشكل المظهر الرئيسي للتناقض بين اليهودية والإسلام.

اتفاقية اوسلو بإسقاطها جوهر العدالة الفلسطينية التي تتمثل بعدالة المخيم التي انطلقت الفصائل والقوى على أساس تحقيقها، الاعتراف السياسي بإسرائيل الاحلالية وحقها شَرَعَ الرواية الدينية اليهودية التي قامت على أساسها فكرة تأسيس إسرائيل الاحلالية.

اتفاقية وادي عربة التي سُوِقَ لها على أنها سلام بين أبناء إبراهيم أمعنت في تغييب الوطني لصالح الديني.

التناقض المركب الذي ظهر بدخول العامل السياسي الديني، وتراجع الوطني التحرري؛ أدخل القضية الوطنية الفلسطينية في إطار جديد للصراع، يتمحور حول مشروعية العدالة الإلهية بين المشروعية اليهودية والمشروعية الإسلامية، هذا الشكل الديني للصراع استثمرت فيه الحركة اليهودية الصهيونية، لإظهار أنه يقوم على أساس أن الإسلام له دوله ومرجعياته والمسيحية لها دولها وفاتيكانها ومرجعياتها، أما اليهودية فلها الحق بأن يكون لها مكانها ودولتها ومرجعيتها، هذا الذي استندت إليه إسرائيل الاحلالية في حركتها السياسية والدينية، في تشريع  وجودها وممارساتها؛ مستثمرة في الرواية الدينية اليهودية، وما يسندها في الروايتين الإسلامية والمسيحية.

الرئيس الراحل ياسر عرفات ؛ استثمر في خلفيته الإخوانية وعلاقاته بمرجعية حماس لضبط ايقاع سلوكها؛ حماس مع اشتداد الصراع مع إسرائيل الاحلالية؛ أصبحت تبتعد عن مرجعيتها، مما أدى إلى طلب مغادرتها الأراضي الأردنية وأصبحت حركتها تعتمد على متطلبات استمرار دورها السياسي والديني.

بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات أصبحت حماس في حل من التزامها الضمني مع السلطة التي بادرتها الشعور البارد، في محاولة لرأب الصدع بين فتح وحماس من خلال الاحتكام لصناديق الاقتراع التي أعطت حماس نتائج تمكنها من تشكيل الحكومة الفلسطينية، هذه النتائج التي ألغيت نتيجة للضغط الإسرائيلي – الأمريكي وأسس للفصل السياسي لغزة عن الضفة، حيث بدء فصلًا جديدًا؛ من الصراع الداخلي الذي أخذ شكل الطلاق الحاد وظهر مركزين للقرار الفلسطيني. 

الأسوأ أن الصراع الفلسطيني – الفلسطيني؛ خرج إلى المحيط العربي والدولي وساهم رئيس السلطة الفلسطينية في تصعيد الصراع من على منبر الأمم المتحدة الذي التقطته إسرائيل للترويج أن الحالة الفلسطينية لا يمكن التعامل معها، حيث السلطة لا تملك القرار الجمعي وحماس الإرهابية لا يمكن التعامل معها، إلا إذا تخلت عن إرهابها وسلاحها واعترفت بإسرائيل اليهودية.

استثمرت إسرائيل في المقاربة بين حماس والتيارات الدينية التي استخدمت مفهوم الجهاد للترويج لإرهابها في المجتمعات العربية والغربية، حيث قدمت خطابًا إعلاميًا يظهر تعاطفها مع ما تعرضت له بعض الدول الغربية وتشيع أنها تتعرض لذات الإرهاب الإسلامي في إشارة إلى حماس.

الجولة الأخيرة من الصراع؛ استطاع الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده؛ من إعادة الصراع إلى جوهره على أنه صراع بين أحقية تحقيق العدالة الفلسطينية وبين عدوانية الاحتلال الاحلالي الذي يمارس عدوانه على الشعب الفلسطيني منذ 73 عامًا.

مرة أخرى؛ تحاول الماكنة الإعلامية لإسرائيل وحلفائها ومراكز دراساتها للترويج على إنها تتعرض لهجمات حماس الإرهابية وتظهر أن الصراع جوهره ديني بين أحقية إسرائيل اليهودية وحماس الإسلامية الإرهابية، يدعمها في ذلك واشنطن وحلفائها؛ عبر تأكيدهم أن لإسرائيل العدوانية الاحلالية الحق في الدفاع عن النفس، ويتناسوا حق الشعب الفلسطيني في دفاعه عن نفسه من عدوانية إسرائيل الصهيونية الاحلالية على مدار 73 عامًا.

الشعب الفلسطيني؛ أعاد التأكيد على أن الوطني التحرري هو الإطار الذي يعكس سمة المرحلة التحررية الوطنية، والاستمرار في إظهار الصراع على إنه صراع بين حماس وإسرائيل هو لمصلحة استمرار عدوانية إسرائيل التي تريد بمساعدة حلفائها الإقليميين والدوليين في ترويض الاتجاهات الأكثر يمينية في حماس؛ من أجل اعطائها دور سياسي تمثيلي بشرط التوقيع على المساومة الدينية.

إسرائيل حققت على مدار 73 عامًا الاعتراف الدولي عام 1948 والاعتراف العربي عام 1967 بعد موافقتها على قرار 242 والاعتراف السياسي من خلال الاتفاقيات المبرمة؛ من كامب ديفيد متى اتفاقيات إبراهام، مرورًا بوادي عربة أوسلو التي أعطت الشرعية باسم أصحاب الأرض والحق؛ إسرائيل تسعى لأخذ المشروعية الدينية؛ من قوة دينية. وفي هذا الصدد، فإن حماس وقيادتها عليها أن لا تقع في الأفخاخ المنصوبة لها وعليها أن لا يدغدغها الشعور بدور أكبر من واقعها ودفعها لاتخاذ مواقف تعمق الديني على المصلحة الوطنية الفلسطينية الجامعة التي خرجت الجماهير  الفلسطينية في كل أماكن تواجدها من أجل أن تؤكد أن جوهر القضية هي تحقيق عدالة المخيم الفلسطيني الذي هو عنوان القضية الوطنية منذ 73 عامًا.

لحماس فرصة تاريخية في استثمار الانجاز الفلسطيني لتخرج من عباءتها الدينية لمصلحة العباءة الوطنية الجامعة.

  • كاتب صحافي فلسطيني

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

قرارات ربما كانت سببًا في تراجع التعليم!!

د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   ليس من العدل تحديد قرارات بعينها كانت …