الدكتور أيمن سلامة –
الأول نيوز – يُشكل الصراع المسلح حامي الوطيس بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد وبين الميليشيات عالية التسليح و التدريب لإقليم التيجري الخطر الأكبرالذي يكاد يعصف بالوحدة و السلامة الإقليمية للدولة الكبرى في منطقة القرن الإفريقي ، ولا يقتصر النزاع بين الخصمين المركز والطرف الأهم في الدولة الحبيسة المتاخم لإريتريا علي الصراع المسلح ،لكن يمتد لمسألة جد محورية ، وهي المتعلقة بتنظيم الهياكل الفيدرالية ،وإعادة تحديد ميزان القوى بين القوى السياسية المختلفة، فإذا لم تتوقف الأزمة الحالية في الوقت المناسب، فقد تؤدي إلى مزيد من الانقسام السياسي على أسس عرقية مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها ،ولكنها بالتأكيد مزعجة .
كشف النزاع المسلح المُحتدم الآن في أثيوبيا عن الهواجس والريَب التي تنتاب كافة دول القرن الأفريقي من التماهي الأخيرالإثيوبي- لأريتيري ، وإن لم تستجب كل من إثيوبيا وإريتريا للقلق المشروع من جانب دول منطقة القرن الإفريقي، يمكن أن يتضعضع استقرار منطقة القرن الأفريقي بأكملها ، وتنهار العمليات المُتَبعة للنمو الاقتصادي والتحول الاجتماعي التي بدأت في الثلاثين سنة الماضية ، فالتحالف الجديد غير المسبوق بين رئيس الوزراء آبي أحمد والرئيس أسياسي أفورقي يؤدي إلى توتر وتصلب من جانب مختلف السياسيين في المنطقة الذين يستنكرون ما يُعتبر بالنسبة لهم مشروعًا مهيمنًا يهدف إلى ضغط المساحات السياسية الوطنية وتشديدها .
جَلي أن إثيوبيا تغرق الآن في أتون صراع محتدم واسع النطاق ، فبعد أن حاز رئيس وزرائها آبي أحمد ، على جائزة نوبل للسلام لاستحقاقات عديدة أنجزها في دولته و في الإقليم ، والذي كان قدًم نفسه للعالم عام 2018 بهذه الكلمات: “السلام بيت مشترك ، وباب المدخل واحد فقط” ، لكن دَمَغه معظم المراقبون الآن بأمير حرب مُصمم على المضي قدمًا في التدخل العسكري في تيغراي ، مُغلبا الخيار العسكري على الخيار السلمي ، ومستحضرا موروثات الاستعلاء القومي الذي اكتوت به دولة الفسيفساء الفيدرالي الهش ، ويأتي ذلك التطور الخطير إثر تأجيل الانتخابات العامة التي كان المقرر إجراؤها في أغسطس الماضي وقرار ولاية تيغراي الفيدرالية المضي في انتخابات أحادية الجانب ، سرعان ما تدهور في الأيام الأخيرة .
لم تشفع التضحيات الهائلة التي قدمها شعب التيجري في دفاعهم المستميت عن وحدة الأراضي الإثيوبية في الحرب المستعرة ضد إريتريا 1998-2000 ، ولم تقتصر الإسهامات البارزة لجبهة التيجري علي صد العدو اللدود لها و للدولة الإثيوبية – إريتريا – فجبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF) ، كانت المهندس الرئيسي لسقوط الديكتاتورية العسكرية في عام 1991 ، بقيادة العقيد منغيستو هايلي مريم ، وكانت لتلك الاسهامات المضيئة في تاريخ الجبهة و إثيوبيا بأسرها الباعث و المبرر لأن تمسك قومية التيجري بزمام الحكومة الفيدرالية حتى عام 2018 .
انتهز آبي أحمد الهجومين المباغتين لميليشيات التيجري المدججة بالأسلحة علي حاميتين عسكريتين للجيش الإثيوبي في إقليم التيجري ،في شمال البلاد ، في الرابع من نوفمبر 2020 ، فشكل الهجومان التكئة التي استغهلها آبي أحمد استغلالا ميكافيليا ، فشن هجومه المباغت الكبير، وبمساعدة مباشرة من إريتريا الجارالعدو اللصيق باقليم التيجري ، وانتقم من التنفيذيين الحكوميين ذوي الأصول العرقية التيجرية فأقال عدد لا بأس به من أهالي التيغراي في الإدارة والشرطة والجيش ، بعد أن سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغري منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا على الجهاز السياسي والأمني الإثيوبي ، قبل أن يتم تهميشها تدريجياً من قبل السيد آبي منذ أن أصبح رئيسًا للوزراء في عام 2018، وقد بلغت التوترات ذروتها لعدة أشهر ، بعد أن نظم الإقليم المناوئ تصويتا في تيغراي وصفته الحكومة الفيدرالية بأنه “غير شرعي” ، وفي المقابل رفضت جبهة تحرير تيغراي السماح لجنرال من الجيش الاتحادي بتولي منصبه في تيغراي .
واتصالا بذلك بدأت بعض الدوائر الغربية في توجيه النقد المباشر الي رئيس الوزراء الاثيوبي الحاصل علي جائزه نوبل للسلام ،بعد أن قام بإقصاء كافه ممثلي التيجراي من الحكومه الفيدراليه وتهميش مشاركتهم في البناء السياسي للدولة ،وإقحام البلاد في حرب أهلية تمتد تداعياتها الي ما هو أبعد من الحدود السياسيه لإثيوبيا ،وتحمل الخراب الي عدد من الدول المجاورة ،وتتسبب في أزمة لاجئين تضيف أعباء هائلة الي أوضاع بلاده الاقتصادية المتردية وتفرض ضغوطا إنسانية علي الدول المجاورة، إذ يؤكد إقدامه علي إقالة وزير خارجيته ورؤساء كافة الأجهزة الأمنية الذين كانوا من الداعمين له أنه لم يعد يعبأ بتبعات إقدامه علي معالجة الأزمة الراهنة من خلال اللجوء الي الخيار العسكري.
حتى اذا لم تتحول الاوضاع الي حرب أهلية واسعة النطاق فإن البلاد ستشهد حتما انقسامات واستقطابات داخلية تبعدها تماما عن التحول الديمقراطي وعن احترام حقوق الإنسان وعن تحقيق الازدهار الاقتصادي والتي شكلت حيثيات حصوله علي جائزة نوبل للسلام .
صُفوة القول ، يُعد تدخل المجتمع الدولي لاغِناء عنه بشكل عاجل لمحاولة تشجيع حل تفاوضي يُزيل شبح العودة المدمرة للحرب في منطقة عانت بالفعل منذ فترة طويلة، ويجب أن تنتصر أصوات العقل على اللجوء المتسرع إلى السلاح