الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – “نعم، لم أعد أتحمَّل شيئًا، سوف أُقدم على الانتحار. هذا هو الحلّ الأنسب لكلِّ مشاكلي.”
عبارة تردَّدت على مسامعي كثيرًا في الآونة الأخيرة. مشاكل، مشاكل، مشاكل في كلِّ مكان وما من حلول في الأفق، بل أحيانًا كثيرة تزداد الأمور تعقيدًا.
كلَّما شعرنا في لبنان– أو في أيَّة دولة عربيَّة أخرى – أنَّ الأزمة باتت في طريقها إلى الحلّ، إذا بها تتعقَّد أكثر فأكثر. وبدل أن يجد المسؤولون الحلول المناسبة لمصائب الناس ومصالحهم، نجدهم يزيدون على المواطنين خناقًا أكبر، حتَّى أصبح اليأس لا يجد سبيلاً للهروب من وجه المواطنين.
فأصحاب المؤسَّسات التي توقَّفت قسريًّا عن العمل، بسبب الوباء أو الإفلاس أو تراكم الديون يجدون أنفسهم في مأزق لا يعرفون الخروج منه، فلا يستطيعون أن يفكِّروا في كيفيَّة الخروج من وضعهم ولا كيفيَّة دفع رواتب موظَّفي مؤسَّساتهم الكثيرين.
وتلك المرأة المعنَّفة التي تسعى بشتَّى الوسائل إلى إرضاء زوجها–الذي قد يتعاطى المخدِّرات أو السكر أو الخيانة –ولا تجد إلى ذلك سبيلاً، تُجرُّ مرغمة إلى الهروب من واقعها المؤلم إلى واقع أكثر ألمًا وصعوبة.
وتلك المرأة المطلَّقة أو الأرملة التي تظنُّ نفسها أصبحت حرَّة من علاقة زوجيَّة سيِّئة للغاية، تجد نفسها محطَّ أنظار الكثير من الرجال الذين يبحثون عن أمثالها ليصطادوها، فتصبح في عيشة أكثر تفاقمًا وظلمًا.
وذلك الرجل، ربُّ أسرة، إن كان معلِّمًا أو موظَّفًا أو جنديًّا أو عاملاً بسيطًا، الذي يعمل براتب لا يكفيه ثمن تنقُّلاته، لا يعرف من أين يجد المال لسدِّ ديونه، قبل أن يبدأ شهر جديد مع فواتير جديدة ما عدا ما يحتاجه وأسرته من طعام وكسوة وتعليم.
وذلك الرجل الذي ابتُلي بامرأة لا تحسن سوى صرف المال أو التذمُّر أو جلب المشاكل أو تمضية الوقت خارج البيت، فلا يجد دواء ناجعًا لردعها أو لتغيير سلوكها.
وذلك الشابُّ الذي تخرَّج من الجامعة بدرجة متفوِّقة قابع في بيته لا يجد وظيفة محترمة يعمل فيها حتَّى تغلغل في قلبه البحث عن عمل خارج البلاد حيث الفرص متاحة بشكل أكبر.
وذلك الولد الذي لا يدري ماذا يجري حوله، يومًا يقضيه في المدرسة وعشرة في البيت، بسبب الوباء المستشري أم لسبب آخر، فلا يعرف إن كان يتعلَّم فعلاً أم إنَّهم يستغلُّون ضعفه وقلَّة إدراكه ليُضربوا ويحثُّوا الدولة النائمة كي تستيقظ.
إن نظرنا فقط من هذا المنظار، نجد أنَّ فكرة الانتحار لا بدَّ أن تطال المجتمع بأكمله، لأنَّ قليلين هم الذين يعيشون براحة بال، ومهما قست عليهم الأيَّام يتَّكلون على ربِّهم، لأنَّهم يعرفون جيِّدًا أنَّه لا يحمِّل الإنسان أكثر من طاقته، ووحده يعلم ما هو خير الإنسان.
عندما يفكِّر الإنسان بحالته دون الالتفات إلى مآسي الآخرين يشعر بانقباض النفس والحزن. ولكنَّ الأمل بمستقبل أفضل مهما طال يبقى الحلَّ الوحيد إذ لا بدَّ من أن يحلَّ النهار بعد ليل مظلم، ومن أن يعقب العاصفةَ هدوء وسكينة…