الاول نيوز – محمد قاسم عابورة –
كما هو الحال في كل حدث عظيم يهز المشهد، ينقسم الشارع الأردني إلى طرفين متضادين، تمامًا كما يحدث في مباريات ريال مدريد وبرشلونة ، طرف يحتفل بنشوة الانتصار لفريقه الإسباني المفضل ، بينما الطرف الآخر ينغمس في مراثي الخسارة، متهمًا الحكم بالمؤامرة على فريقه غير الأردني ، وسرعان ما تنطلق معركة التراشق بالاتهامات، وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي، وينتشر الذباب الإلكتروني ، فجأة، يصبح البيت الواحد وكأنه مقسوم بجدران برلينية، بين أخوين شقيقين، أحدهما مدريدي الهوى والآخر برشلوني .
هذا المشهد المألوف في عالم كرة القدم، يكاد يكون نسخة مصغرة لما يحدث في الأردن عند كل حدث كبير يهز أركان المنطقة، وخاصة حول ما يحصل في سوريا الحبيبة. بكبسة زر، ينقسم الأردنيون إلى فريقين متناحرين ، فريق يغرق في صور السجون وأقبية التعذيب وقصص الألم التي تجعل القلوب ترتجف، ويركز عدسته بالكامل على “الظلم الداخلي”، متجاهلًا أن المأساة السورية أكبر وأعقد من أن تختزل في زاوية واحدة.
وعلى الجهة المقابلة، ينفعل الفريق الآخر أمام مشاهد الكيان الصهيوني يمارس القصف والاحتلال في سوريا ، وتركيا تمد أقدامها على ما تبقى من التراب السوري، فيتخذ من هذا التمدد عنوانًا جديدًا للطم ، ويرى في ذلك العنوان الأكبر للأزمة فيستحضر هذا الفريق خيانات هنا، ومؤامرات هناك، بينما يغفل عن أخطاء القيادات المتراكمة، وعن الفساد الذي ضرب جذوره في الأرض .
وعلى وقع هذه الخلافات، تبدأ معركة جديدة بين الأردنيين أنفسهم، ويشتعل تراشق الاتهامات عبر جيوش الذباب الإلكتروني. كل طرف يتمترس خلف رأيه، يرى فيه الحقيقة المطلقة، ويخون الآخر بلا تردد ، فجأة، يصبح نصف الشعب الأردني “شبيحة” للنظام وعملاء لإيران، بينما يُتهم النصف الآخر بالعمالة لتركيا وإسرائيل.
ولكن، ماذا لو تخلينا عن الانفعال للحظة واحدة؟ لو أخذنا نفسًا عميقًا وفكرنا بعقلانية، لوجدنا أن الأردنيين جميعهم يتفقون على رفض الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان، ويرفضون تحويل الأوطان إلى مزارع للفساد. كما سيتفقون جميعاعلى رفض أي محاولة لاستباحة الأرض السورية أو تقسيمها. الصورة الكبرى تظهر حينها بوضوح اننا نحن جميعًا مع سوريا، وضد أي مشروع لا يحمل هويتها.
المشكلة أننا نبني مواقفنا وردود أفعالنا على أسس عاطفية وسطحية، دون أن نتأمل الصورة الكاملة أو نتعمق في تفاصيلها ، لو منحنا أنفسنا دقيقة واحدة من التفكير المتزن، لوجدنا أننا نقف جميعًا ضد الجرائم، أيًا كان مرتكبها. وسندرك أيضًا أننا بوهننا وصراعاتنا الداخلية، أصبحنا لقمة سائغة لأطماع القوى الطامحة في منطقتنا.
طالما بقينا مجرد مشجعين، نهتف لهذا الفريق أو ذاك، دون أن نتقن فن اللعب أو نؤمن بمشروعنا بناء فريقنا الخاص ، سنظل في دوامة العبث ، سنبقى نستجلب الفريق الإيراني في ملعبنا، ونصفق للفريق التركي في ساحتنا، ثم نلعن الحكم الأمريكي ومساعده الإسرائيلي على “المؤامرة” التي استهدفت فريقنا “غير الأردني“.
الحقيقة المرّة هي أننا نحن من نتآمر على أنفسنا ، صراعاتنا هي وقود مشاريع الآخرين، وخلافاتنا هي الباب الذي يدخلون منه لنهب أوطاننا وتقسيمنا .
فهل سنبقى نلعن أخت الحَكَمْ… !!!!