اخلاص القاضي –
في الوقت الذي تشتعل فيه منصات التواصل الاجتماعي بالافكار والمشاهد والأراء والصور، لا زالت ظاهرة ” الكتابة على الجدران ” تلتصق على أسوار ومرافق عامة ومحيط مدارس وفضاءات ساحات مهجورة وأروقة حارات شعبية، وربما أي مكان ليس في الحسبان.
ويذهب مواطنون الى أن ” السوشيال ميديا ” لم تحد من هذه الظاهرة، إذ أن لكل متتبع لها او للكتابة على الجدران اسبابه الخاصة والعامة، داعين الى الحد منها، كونها تشكل اسلوبا غير حضاري، يشوه صورة المكان والصورة البصرية وتتنافى مع العادات والتقاليد والموروث الاصيل.
ووفقا لمعنيين واخصائيين في علمي الاجتماع والنفس فان الكتابة عبر ” السوشيال ميديا” لن تنهي التعبير على الجدران، التي تعبر الكتابة عليها عن مكنوناتت وضغوطات، وربما سعيا لنشر فكرة أو معلومة للمارة على مدار الوقت وليس للاصدقاء المشتركين او المفترضين عبر الاعلام الرقمي، وهي محاولة للهروب من الرقيب وربما من منظومة العقاب في اطار الجرائم الالكترونية.
يقول التاجر هاشم فياض “منتهى الحضارة ان نرى رسومات هادفة ومتقنة، كأن توضع الى جانب الحاويات وعلى جنبات الطرق او على لافتات بالاحراش، هدفها الحد من مخاطر السرعة والدعوة الى النظافة العامة”، مشيرا الى ان المتصفح عبر الانترنت لمثل هذه الظاهرة يلحظ روائع الجداريات العالمية التي تعكس حضارة ورقي، في وقت يرى فيه حاتم البريحي/ اعمال حرة، أن الكتابة العشوائية على الجدران ربما تعبر عن تخلف، فيما يقول خالد كساب السرحان / موظف في التربية ” يبدو ان حرية التعبير ليست متاحة كما ينبغي على صفحات التواصل الاجتماعي “.
ويشارك الزميل وسام السعايدة برأيه قائلا .. ان لجوء الشخص الى هكذا تصرف ينم عن انفعالات مرتبطة بالبيئة المحيطة به والتي تعبر عن الضيق، معتقدا ان ممارسيها ربما يظنون أنها أسرع ضمن نطاقهم دون ان يعرف احد هويتهم لاسباب عديدة منها قانونية ومجتمعية .
الناشط سامي الديب يعتبر “أنها مسألة ازعاج ” ليس إلا، بيد ان الممرضة صفاء الجبالي تذهب الى ” ان الفكرة تصل أسرع وهي طريقة اوفر وانجع ” وتقصد عبر الكتابة على الجدران .
وللموظف مسعود عبد الهادي وجهة نظر فيما يخص تلك الظاهرة، إذ انها تشوه الاماكن العامة وهي نوع من التمرد والرسائل المبطنة، وهي كتابة حرة ليست خاضعة للرقابة قبل النشر أو بعده قياسا بالفيسبوك وغيره , فيما ترى فيفيان حسان/ موظفة قطاع خاص ان آثار الكتابة على الجدران تنحصر في المنطقة المحيطة بها, بينما في ” السوشيال ميديا ” العالم كله يرقب ويقرأ ..
ويذهب محمد الطرودي الى ان فن الرسومات على الجدران قديم وحضاري ووصل الى العواصم العالمية في محطات القطار والشوارع واستخدم كنوع من الدعاية والاعلان، فيما يعتبر سليم الدبيسي أن هذه الظاهرة تنم عن عدوانية مترسخة في النفوس منذ الصغر وحتى الكبر .
وتعتقد هيلين الخطيب ان من يكتب على الجدران ربما يجد ضالته عليها أكثر من ” السوشيال ميديا” المراقبة من الاصدقاء والاقرباء , ولا يريد بالتالي لاحد ان يضع تعليقات على رأيه او تسريبه لقول ما.
ويقول استاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين ان معاني الكتابة على الجدران تتجلى في أنها مكبوت نفسي، وتحمل مواقف مغايرة من قبل الافراد لما تتبناه المجاميع وبصورة تسعى الى اظهار مكبوتاتها نحو فئة مستهدفة ومحددة جغرافيا، كأن تكون على جدران خارجية وساحات وابواب قد تكون مهجورة ، ولكن الاهم وفقا له سعي ” كتاب الجدران ” اذا صح التعبير ألا يقعوا تحت طائلة العقاب القانوني، أو الوصم الاجتماعي اي ان يتجنبوا اطلاق الاحكام المجتمعية جراء ما تحتويه كتاباتهم وخربشاتهم ” .
ويؤكد أن الكتابة على ” السوشيال ميديا” اذا كانت منافية لما ورد في قانون الجرائم الالكترونية فانها تصنفك حكما تحت طائلة هذا القانون، فيما قد يفلت ” الكاتب على الجدران ” من العقاب، اذ ان هويته لن تعرف مباشرة كما هو الحال في الاعلام الجديد .
ويزيد ..هذه المكبوتات لا تجد مساحة من التسامح تمنح كاتبها أو مطلقها جرأة في التعبير عما في دواخله بطريقة مقبولة، لذا بقيت هذه الطريقة التقليدية منافسة لآخر ما توصلت اليه ” السوشيال ميديا ” وقد لا تنتهي لانها مرتبطة ببواطن الافراد، وبالتالي سنبقى نشاهد كلا النموذجين اللذين يمكن ان يعبرا عن وجع انساني وآراء مختلفة.
وحول ما اذا كانت الكتابة أكثر توسعا في المناطق الشعبية يوضح الدكتور محادين: ان حجم التجانس في المجتمعات البسيطة تشكل ضغطا قويا على حرية الافراد وان البناء الاجتماعي فيها صارم ما يدفع الاشخاص للتعبير على الجدران، فيما نرى في مناطق قوة ضاغطة من المجتمع للحفاظ على المظهر العام في ظل تطابق وتجانس مجتمعي الامر الذي ينعكس على حماية المنطقة برمتها من العبث.
ووفقا لاستشاري الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ فان الكتابة على الجدران لا زالت موجودة لاسباب عدة منها عدم قدرة الشخص على امتلاك وسيلة تكنولوجية للتعبير ، أو عدم قدرته على الكتابة عليها حتى لو امتلكها خوفا من تداعيات ذلك اجتماعيا أو اخلاقيا أو قانونيا، ومنها ايضا أن البعض يستسهل ارسال رسائل قوية ضمن المحيط الذي يسكنه سواء اكانت رسائل تعبر عن المراهقة او ذات صلة بالسياسة او تعبير عن الواقع المعاش، كالشكوى من الفقر والبطالة والحرمان وغيره .
ويشير الى ان ممارسة هذا النوع من التشويه عبر ” السوشيال ميديا ” ، بمعنى ان التعبير يكون متوازيا مع كتابة على صفحات خاصة عبر الاعلام الاجتماعي، التي لا تحمل اسما صريحا، بل ان بعض الاشخاص يختبئون خلف هويتهم المجهولة سواء كان ذلك على الجدران او عبر انشاء الصفحات الافتراضية .
ويقول من يتخذ من الجدران دفترا له ، يعاني من عدم القدرة على ضبط النفس او معاناته من ضغوط نفسية واجتماعية كما ان خياراته في الحياة ضيقة او لا خيار لديه سوى الجدران ولا خيال عنده ليوظفه في ايصال رسالته بطرق اكثر حضارية كالحوار مثلا او تقديم نفسه بطرق اكثر قبولا ، داعيا الى التدرب على ضبط النفس والانفعال وتهذيب المشاعر والحد من التوتر قدر الامكان ، حيث ان الكتابة على الجدران لا تفي اي غرض باستثناء التشويه واعطاء صورة لا حضارية عن قاطني المنطقة المستهدفة .
ويصف استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي ما يمارس بانه ” تنفيس ” , فان متوسط الاصدقاء المشتركين على ” الفيسبوك ” مثلا وفقا لدراسة اعدها خزاعي يبلغ 125 صديقا ، اي ان المنشور يشاهده هذا العدد وربما اكثر اذا ما نال المنشور مشاركة على اوسع نطاق , فيما يطمح الكاتب على الجدران الى ان يرى كل المارة ما يكتبه ، بما في ذلك الفئة المستهدفة سواء اكانوا مسؤولون او اقارب او جيران .
ويجد أن من يمارس هذه الخيارات ليس لديه معرفة ربما ب ” السوشيال ميديا ” وعدم قدرته على اقتناء وسائل التواصل او مواكبتها ماليا،فيجد في ” لون البخاخ ” ضالته ،فهو لا يٌحذف بسهولة،وتبقى رسالته ماثلة للعيان حتى تتحرك الجهات المعنية لطلاء الجدران وتسوية اوضاعها المشوهة .
ويشير الى ان حوالي 4 مليون اردني من الفاعلين والمعبرين عن ارائهم وافكارهم بكل سهولة ويسر عبر السوشيال ميديا سواء اكان ذلك عبر اسمائهم الحقيقية او اسماء وهمية، لافتا في هذا الصدد الى ان البعض يوظف الحائط ايضا لغايات اعلامية واعلانية، كاعلانات العقارات المشفوعة بارقام هواتف ، واعلانات دور العزاء و ” تشييك المزارع ” ! وهناك نوعان من الرسومات على الجدران : الاول يتعلق بالرسومات الجرافيتية المنظمة , والثاني الكتابة العشوائية على الجدران، وفقا لما يصنفه المدير التنفيذي للاتصال والاعلام / مدير هوية عمان في امانة عمان الكبرى المهندس ابراهيم هاشم.
ويوضح فيما يتعلق بالنوع الاول، توجد حين تطلب مجموعة من الشباب ذلك في سياق مبادرات تبغى المساهمة في جمالية المشهد ونقل رسائل ايجابية للعامة العام شريطة عرض فكرتها مسبقا على الامانة حتى يتم التأكد من موافقتها للعادات والتقاليد ولا تشوه الصورة البصرية وتحافظ كذلك على هوية المدينة . اما النوع الثاني ، وفقا لهاشم، وهو الكتابة العشوائية على الجدران التي تشوه وتسيء، فيتم متابعتها وتصويب اوضاعها بالطلاء واعادة الامور الى نصابها الصحيح متوائما مع المشهد العام وذلك من خلال كوادر الرقابة والتفتيش والزيارات الميدانية الدورية عبر مدراء المناطق ال 22 في عمان وكوادرها .
ويلفت هنا الى ان الكتابة على الجدران لا ترتبط بوجود صفة للمكان كأن يكون مكتظا او عكس ذلك ، او عند المدارس او محيطها , او حتى الساحات المهجورة ، بيد ان واجب الامانه رصد الكتابة في مختلف الامكنة ، ولا تصنفها في منطقة دون اخرى ، فقد تخلو منها بعض الحارات التي قد يتفق اصحابها على نظافتها وحمايتها بل وتجميلها بدوافع ذاتيه ، وقد توجد في بعض الحارات النائية ايضا .
ويؤكد ان المواطنين يمكنهم التواصل مع الامانة لرصد هذه الظاهرة وارسال الملاحظات عبر اذاعة هوا عمان و الموقع الالكتروني www.amman.jo ” .(بترا)
الوسومإخلاص القاضي الأول نيوز الكتابة على الجدران
شاهد أيضاً
الإقراض الزراعي: منح قروض بقيمة 57 مليون دينار في 2024
الأول نيوز – منحت مؤسسة الإقراض الزراعي قروضا بقيمة 57 مليون دينار في عام 2024 …