ريم أحمد الحوراني
كم من قصص وروايات غيّرت مجرى حياتنا للأبد، أذكر تلك الرواية التي كانت ضمن منهج اللغة الانجليزية، ربما عندما كنت بالثانوية، لا أذكر متى تحديدًا، لكنني لم أستطع نسيانها، ربما أعطتني الكثير من الحزن عندما قرأتها، ولكن مع مرور الأيام كنت أرى بُعدَ النظر فيها، ففيها أشياء لن نتعلّمها إلّا عندما تمر بنا السنوات.
تلك الرواية كانت تتحدث عن عامل في قطار في إحدى القرى الأوروبية، كان يمر القطار من أمام بيت، حيث سكانه يلوّحون بأيديهم فرحًا عندما يَرَوْن ذلك القطار وذاك العامل يلوّح يديه لهم، معتبرا أنه يمثل القطار!
على مدى عشرين عامًا يوميًا ينتظرهم ويتنظرونه، لم يتأخر يومًا ولَم يغيبوا عنه يومًا، عشرون سنة شعر بانه من نفس تلك العائلة، هو الذي لم يكن لديه عائلة، فاعتبرهم أهله عندما تقاعد وبعد تردد كبير قرر أن يزورهم في البيت ويتعرّف اليهم عن قرب، وأخذته احلامه من واقعه أياما كم سيتفاجؤون حتى أنه تخيل كيف يكون بيتهم من الداخل وسعادتهم الكبيرة، توقع عند زيارته لهم كل تلك الأيام حتما تركت نفس الأثر لديهم، ثم جاء ذلك الْيَوْمَ الذي جمع شجاعته وأخذ معه بعضا من الحلوى وذهب كان سريع الخطوات سعيدا بما يفعل ، رِن الجرس وانتظر فتحت له الباب ربة المنزل وكانت إلى جانبها ابنتها تلك التي رآها طفلة تكبر …
سألوه من أنت عرّفهم إلى نفسه، لم يتفاجؤوا، بل تعجبوا وهم يتبادلون تلك النظرات التي كانت تسأله ماذا تريد.. فَهِمَ ما يدور حينها شرح لهم تقاعده وأنه جاء ليودعهم!
انحرجوا؛ ربما دعوه ليدخل المنزل على مضض.. جلسوا جميعا والصمت هو الوحيد المتحدث بينهم، وشعوره بالحرج كان هو الحاضر بينهم كأنهم يقولون متى سترحل من هنا ، ثم ودّعهم سريعا ومضى، كانت خطاه عكس تلك التي جاءت به، كان سعيدا بتلك العائلة التي تمنى لو انها بقيت في خياله فقط .. فلم يتخيل ان يكونوا بتلك الكآبة عن قرب، أو بهذا الكم من عدم الترحاب به ، وأيقن حينها انه يجب عليه ان يتعلم، أن يحب الأشياء عن بُعد، لا ان يتعمق بها ويعلم تفاصيلها لأنه سيكرهها وتكرهه، وهذا هو الحال في معظم ايّام حياتنا نتقرّب من أناس لنتعلم ان بُعدهم أفضل ونتعلم أكثر ممّا نريد أن نعرف، فنتألم لنتمنى لو أننا لم نسأل .. ولَم نكن بهذا القرب وبتلك البساطة .
الوسومالأول ريم احمد الحوراني فسحة امل