الجمعة , أبريل 19 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

كيف تصبح محترفًا!

 

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – تعلَّمتُ الضرب على الآلة الكاتبة. قعدتُ مرَّة أولى أمام الآلة، ورحتُ أتفحَّص مكان الأحرف، وصرتُ أكتب بعض الكلمات بإصبع واحدة. فأخذتْ جملة مؤلَّفة من أربع كلمات أكثر من دقيقتين لطبعها. ومن ثمَّ احترفتُ الضرب على الآلة الكاتبة ثمَّ على الكمبيوتر حتَّى صرتُ أكتب دون النظر إلى لوحة المفاتيح وبالأصابع العشر، ما يقارب الأربعين كلمة في دقيقة واحدة…

وأخبرني أحدهم: انتسبتُ إلى معهد لأتعلَّم اللغة الإسبانيَّة. لم تتكلَّم المعلِّمة إلاَّ الإسبانيَّة، ولكن بفضلها استطعنا نحن الطلاَّب الذين نجهل هذه اللغة أن نتكلَّمها بطلاقة بل نحترفها بعد مضيِّ ثلاثة أشهر فقط على الحضور الدؤوب للحصَّة الإسبانيَّة، بمقدار ساعتين في اليوم مدَّة ثلاثة أيَّام في الأسبوع…

وروى لي رجل أجنبيٌّ قضى سنتين من حياته في السجن، بعدما أمضى أيَّامًا معدودة لأكثر من مرَّة في السجن بتهمة السرقة: احترفتُ السرقة منذ صغري. كنتُ أسرق تفَّاحة كلَّ يوم من المحلِّ الملاصق لبيتنا. في المرَّة الأولى دقَّ قلبي بشدَّة ورحتُ أنظر حولي لأرى إن كان أحد يراقبني. وبعد محاولات ناجحة متكرِّرة، صرتُ بارعًا في سرقة التفَّاح دون أن يرفَّ لي جفن. وفي إحدى المرَّات، توجَّهتُ إلى السوق للتسلية، فأوصتني أمّي أن أشتري لها خاتمًا من ذهب. وبينما أنا أتأمَّل الخواتم المعروضة أمامي، وجدتُ خاتمًا في زاوية العلبة سقط سهوًا من علبة أخرى. وبلمح البصر، اختطفتُ الخاتم ودسسته في جيبي دون أن يلحظ البائع شيئًا. وفي اليوم ذاته، بعته لتاجر آخر بمبلغ كبير، فذقتُ طعم الربح السريع. وصارت يدي تمتدُّ إلى الأمور الثمينة بطريقة عفويَّة، إلى أن أمسكتني يومًا كاميرا المراقبة ووُضعتُ في السجن. خضعتُ لعلاج نفسانيّ طوال مدَّة السجن حتَّى توصَّلت إلى الاقتناع أنَّ ما كنتُ أقوم به هو عارٌ عليَّ وعلى أقاربي، فاحتقرتُ ذاتي فترة قبل أن أتغلَّب على ضعفي، إذ اقتنعتُ أنَّ العادة السيِّئة هي التي أوصلتني إلى احتراف السرقة. وبعد خروجي من السجن، وُلدتُ من جديد، إنسانًا جديدًا يطمح في بناء ذاته بذاته، واليوم أنا أعمل في شركة محترمة قبلت أن توظِّفني بالرغم من ماضيَّ الأسود.

وتكرُّ السبحة… هوذا طبَّاخ يتقن مهنته حتَّى اعتادت يداه العمل، وأصبح يقوم بأمور كثيرة بسرعة فائقة دون النظر إلى ما يقوم به. وذاك الصيرفيّ يستطيع أن يعدَّ المال بسرعة خياليَّة دون أن يخطئ…

ما أعظمَ الإنسان الذي يُتقن عمله! ولكنَّ في الحياة أمورًا سيِّئة يعتاد عليها المرء بسبب كثرة ممارستها. فالذي اعتاد أن يكذب، صعب عليه أن يكون صادقًا. ومن اعتاد أن يخونلا يمكن لإنسان أن يضع ثقته فيه. ومن اعتاد على الاحتيال، لا يقدر أن يصاحب أحدًا…

يقول المثل: “من شبَّ على شيء، شاب عليه”، بالثبات تحترف عملاً ما. لذلك، لا يمكن الإنسان أن ينسى بسهولة أفعالاً أتقنها. فحذارِ أن نتعوَّد على أمور سيِّئة في حياتنا، لأنَّه من الصعوبة – لا من المستحيل –أن نتغلَّب عليها أو أن نتخلَّى عن ارتكابها!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

التيار الديمقراطي البرتقالي والمشروع الوطني للتغيير

الأول نيوز – د  محمد العزة يعد تاريخ صدور الارادة الملكية السامية بتشكيل اللجنة الملكية …