الثلاثاء , أبريل 16 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

العروبة المؤنسنة

الدكتور عبدالحسين شعبان –

 

الأول نيوز – كان اختيار منتدى أصيلة وجامعة المعتمد بن عبّاد المفتوحة في المغرب لموضوع «العروبة والبناء الإقليمي العربي: التجربة والآفاق» كعنوان لندوة ذات طابع راهني بأفق مستقبلي وقراءة استشرافية، فرصة مناسبة لتبادل الآراء واستمزاج وجهات النظر، والاستئناس بأفكار حاولت ملامسة الجديد في فكرة العروبة التي ظلّت تشغل الأفق السياسي والاستراتيجي لأغلبية مشاريع النهضة والإصلاح في العالم العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن، وقد اتخذت ثلاثة اتجاهات أساسية:

* الأول – «العروبة الثقافية»، وهي الفكرة التي حاولت محاكاة مشاريع النهضة الأوروبية التي كان توجّهها نحو «دولة مدنية»، وقد أخذت هذه الفكرة تتعمّق بالتجربة العملية، وبعد طائفة من الإخفاقات والممارسات السلبية التي عملت باسم «العروبة».

* الثاني – «العروبة الأيديولوجية»، وهي الفكرة التي حاكت السياسة والتيارات القومية الأوروبية الاستعلائية الشوفينيّة بشيفرة قومويّة.

* الثالث – «العروبة في طور التكوين المؤسساتي»، وهي فكرة قامت عليها جامعة الدول العربية (22 مارس/ آذار 1945) كمنظّمة إقليمية أرادها الآباء المؤسسون أن تكون نواة، أو خطوة للوحدة العربية، وعلى طريقها، وهي وإن أخفقت سياسياً في حل المشكلات والنزاعات والحروب العربية – العربية، والعربية – الأجنبية، إلاّ أنها تمكنت من لعب دور إيجابي في دعم البلدان العربية لنيل استقلالها والتحرر من الاستعمار، وفي دعم تنميتها، إضافة إلى مساندة القضية الفلسطينية في المحافل الأممية ضدّ العدوان الإسرائيلي المتكرر.

وخلال القرن ونيّف الماضي، تعرّضت العروبة إلى تحدّيات عدة، من خارجها ومن داخلها، إذا جاز التعبير.

أولها – إخفاق المشروع السياسي الوحدوي وتضبّب صورته الحلمية، والأكثر من ذلك فإن الدولة العربية (القُطرية) التي اعتُبرت من مخرجات التجزئة، وسبباً في عدم تحقيق مشروع النهضة تصدّعت هي الأخرى بسبب الحروب والنزاعات الأهلية، إلى درجة أصبح الحفاظ عليها مهمة عروبية بامتياز.

وثانيها – التداخلات الإقليمية غير العربية وتأثيرها في القرار العربي.

وثالثها – تراجع القضية الفلسطينية التي مثلت جامعاً للعروبة الثقافية والمؤسساتية.

ورابعها – انفجار الهويّات الفرعية وانبعاث رياح الطائفية والإثنية المناوئة لفكرة العروبة، خصوصاً بعد تنكّر أو عدم اعتراف بها.

وخامسها – الممارسات الاستبدادية السلبية لأنظمة حكمت باسم العروبة.

العروبة بصفتها هويّة منفتحة ليست ساكنة، أو نهائية، أو تمامية، لأنها متجدّدة ومتحوّلة ومتفاعلة، حيث تتغير بعض عناصرها مثل العادات والتقاليد والفنون والآداب، حذفاً أو إضافة، ومثلما هي كذلك، فلا بدّ أن تقرّ باختلاف الهويّات، وتعترف بحقوقها وتتعامل معها كأمر واقعي، وليس مفتعلاً، أو متخَيّلاً، كما هي النظرة الاستعلائية الشوفينية. وهكذا يصبح من واجب العروبة المؤنسنة احترام حق كل شعب، أو مجموعة بشرية تشعر بوجود خصائص تجمعها، هوية وانتماء، بل وأن تعمل على مساعدتها في تعزيز وتطوير خصوصيتها بما يجعلها تتفاعل إنسانياً معها.

وبهذا المعنى، لا يمكن اختزال العروبة بالقومية، أو العرق، أو النسب، وإذا ما فعلنا ذلك فأين سيكون مكان الأندلس، والمعتمد بن عبّاد، وابن طُفيل، وابن باجة، وابن حزم، وعبّاس بن فرناس، من فكرة العروبة؟

والعروبة هي لغة امرؤ القيس والمتنبّي وأبوالقاسم الشّابي وطه حسين وجبران خليل جبران والجواهري، وكانت، ولا تزال فعل مواجهة، خصوصاً حين تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من خلال مفكرين ورُوّاد مثل جورج أنطونيوس، وشكيب أرسلان، ورشيد رضا، والبساتنة، والريحاني، واليازجي، وصولاً إلى ساطع الحصري، ولعلّ ما هو مطلوب اليوم تعزيز العروبة وتجذيرها وتحصينها وأنسنتها بالحرية، والإقرار بالتنوّع وقبول الآخر والاعتراف بالحق في الاختلاف.

وكان مشروع النهضة الأول الذي ساهم فيه الأفغاني ومحمد عبدو والكواكبي والطهطاوي والتونسي والقائيني، ارتكز على عاملين أساسيين، هما: الحريّة والتنمية، وهذان يمثلان الأساس للمشروع النهضوي العربي الحديث بأركانه الستة، وهي: التحرّر السياسي والتنمية الاقتصادية المستقلّة والوحدة العربية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتجدد الحضاري، وهو يمثّل العروبة المؤنسنة البعيدة عن التعصّب، ووليده التطرّف، ونتاجهما العنف والإرهاب. وبذلك يمكن أن نضع الجاحظ وابن خلدون وابن المقفّع وابن سينا وابن رشد وأبو نوّاس وسيبويه ونفطويه وبشار بن برد، وغيرهم، في عداد من أسسوا للعروبة على أساس الثقافة واللغة.

وما تحتاج إليه العروبة اليوم هو إعادة هندستها لتكون أكثر انفتاحاً وتعدّدية وقبولاً للآخر، أي الإقرار بالتنوّع في إطار الوحدة، وهو ما يجنّبها التفتّت والتذرّر ويجعلها جامعة ومتعددة في آن.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

شادي ابو راشد…ايضا..” ضربة معلم” ياموسى!

الأول نيوز – لااخفيكم بأني لازالت مكتئب…”وعادة ولأسباب عديدة تصيب روحي سهام الحزن والعجز والغضب…وبعض …