الجمعة , مارس 29 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

هل يُعد استخدام الطائرات  المُسَيّرة مشروعا في كل الحالات ؟

الدكتور أيمن سلامة –

 

الأول نيوز – تشمل منظومات الاسلحة ذاتية التشغيل الأسلحة التي تعمل في الجو والبر والبحر بتلقائية بموجب برامجها الحساسة ،وهذا يعني أن هذه الأسلحة  يمكنها أن تختار بكافة وسائل البحث و التكثيف و التحديد و التعقب أهدافها المشروعة أثناء النزاع  المسلح ، ثم تهاجم الهدف ذاتيا دون تدخل بشري ، وتقوم منظومة السلاح بنفسها باستخدام اجهزة الاستشعار والبرمجة والقيام بعمليات الاستهداف والاعمال التي عادة ما يتحكم فيها البشر .

تعد الطائرات المُسيرة إحدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتي تتضمن برامج حاسوبية تختزل عدداً هائلاً من الخوارزميات والتعليمات والتي تجعلها قادرة علي اتخاذ القرارات ذاتيا أي بعيداً عن التدخل البشري ، فهذه  الطائرات تختار الهدف والمكان والزمان وبعيداً عن تحكم البشر ، حيث تتولى الآلات التي تتمتع بقدرة الذكاء الاصطناعي مسؤولية اتخاذ القرارات الحرجة ذاتياً بدون تدخل بشري  .

تتجلي خطورة استخدام الطائرات المسيرة عند عجز هذه الانظمة من الاسلحة على الادراك الحقيقي لكل الظروف المحيطة بالمعركة ومدى الحاجة الملحة لاستخدامها والحالات الانسانية التي لا تستوجب استعمال هذه الاسلحة.

إن أكثر الانتقادات القانونية و الأخلاقية التي وجهت لهذه النظم من الأسلحة المستحدثة خاصية الفتك او القتل الذاتي التي تتمتع بها هذه الأسلحة، وهنا يمكن القول بعدم اعتداد الالة بالأحاسيس الإنسانية فهي لا تخضع لاعتبارات الضمير الإنساني في تنفيذ مهامها وبالتالي لا تتراجع في الحالات الإنسانية القصوى ، مقارنة بالطائرات النمطية التي يتحكم فيقائدها فضلا عن العناصر البشرية الأخرى المراقبة لتنفيذ مهمة الطيار والطائرة .

ترجع  الإرهاصات الأولي لمبدأ  التمييز في استخدام وسائل و أساليب  القتال من قبل  المتحاربين إلي الفقيه  الهولندي جروشيوس في كتابه السلم والحرب عام 1625 الذي أكد على ضرورة فرض قيود على القوة التدميرية للأسلحة ، وقد تم اعتماد المبدأ في اتفاقية لاهاي عام 1907 ( ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل الاضرار بالعدو ) وإذا كان النص يشير إلى تقييد آني للمتحاربين في استخدام وسائل مفرطة الضرر بالعدو ، فإنه يتضمن ايضا عنصرا غائيا وهو ألا  يكون العدو عرضة لتقنيات وتجارب الاسلحة قد تكون غير معروفة الاثار .

لقد دُمغت انظمة اسلحة الذكاء الاصطناعي بـ ( الفتاكة ) باعتبارها مفرطة الضرر وعشوائية الاثر وبالتالي فإن غياب الاشراف البشري لهذه الاسلحة يجعلها غير قادرة على مراعاة القيود التي يفرضها القانون الدولي الإنساني على الاسلحة المستحدثة وان من شأن استخدامها تسبيب اصابات وآلام مفرطة لا مبرر لها .

إن سمة الاستقلالية في هذا السلاح وغياب العنصر البشري فيه تجعل من الصعوبة بمكان تقدير الضرورة العسكرية التي يلجأ المتحاربون أثناء النزاع المسلح ،وربما يستحيل عليها في معظم  الحالات تقديرها نظراً لخصوصية المبدأ الذي يرتبط بالكيان والفكر البشري .

يعد مبدأ التمييز من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني كونه يشكل ضابطاً اساسياً في ايجاد الحد الفاصل بين السكان المدنيين والمقاتلين والاعيان المدنية والاهداف العسكرية ويعد هذا المبدأ من أقدم المبادئ الإنسانية ظهوراً مما جعله يرقى إلى المبادئ العرفية ، ويوجب  مبدأ التمييز علي أطراف  النزاع المسلح ، الالتزام بالتمييز في التخطيط للهجوم ، بين المدنيين وبين العسكريين وكذلك بين الاعيان المدنية والاهداف العسكرية ، و التمييز أثناء  تنفيذ الهجوم  أي أن توجيه العمليات العسكرية يكون ضد الاهداف العسكرية دون غيرها ، فضلا عن الالتزام بضمان حماية المدنيين وتجنب تعريضهم لأية آثار بعد الانتهاء من تلك الهجمات ، على اعتبار أن تعريضهم للهجمات لا يمكن تبريره على أنه هدف عسكري .

يمكن  الزعم بأن هذا المبدأ يمثل أكبر عقبة في جواز استعمال اسلحة التحكم  الذاتي ، فانعدام الاحساس أو التمحيص لتمييز المقاتل عن غير المقاتل وخاصة في ظل البيئة الحربية المعقدة التي نشهدها اليوم والتي يصعب وبدرجة كبيرة معها التمييز بين المدني والعسكري ، خاصة عند القتال  في المدن أثناء  النزاعات  المسلحة غير الدولية .

جلي أن الطائرات المسيرة لا تمتلك الخلايا الحسية التي تمكنها من التراجع عن الهجوم إذا كان يتواجد مع الهدف العسكري المطلوب ، افراد مدنيون مما يمكن أن تسبب الهجمات في قتلهم ، كما أن هذا السلاح لا يستطيع التراجع عن اصابة الهدف في حالة وجود مدنيين أو عسكريين يشعرون بالعجز أو المرض أو أن لديهم نية الاستلام .

تفتقر بالطبع هذه الانظمة من الاسلحة إلى العناصر الاساسية للامتثال لمبدأ التمييز وأن هذه الاسلحة ليست قانونية من الاساس وتخالف الإنسانية، فلا يمكن تفويض آلة اتخاذ قراربالقتل، ولذلك فان مبدأ التمييز لا يمكن ان تتخذه اجهزة استشعار او مجسات لأنها مسألة ترتبط بالسلوك البشري .

ختاما ،  إن الاستخدام المطلق ، ودون رقابة ، لأسلحة الذكاء الاصطناعي في النزاعات المسلحة سيؤدي الى ارتكاب مخالفات جسيمة لمبادئ القانون  الدولي الإنساني .

 

 

 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

التعليم والمجتمع…الاشتباك من المسافة صفر

الاول نيوز – محمد موسى المرقطن –   منذ مطالع القرن العشرين والتعليم بجميع مساراته …