حسني عايش / عمان- الاردن –
الأول نيوز – كأن اليهود في إسرائيل المتفوقون في العلوم والآداب والفنون والفلسفة والتكنولوجيا الرفيعة، هم الأغبى في العالم سياسياً. إذ بدلاً من أن ” يدللو” الشعب الفلسطيني وبخاصة في الداخل الذي يغتصبون وطنه ويشردونه في الآفاق، ويحملونه على أكف الراحة ليهدأ أو ليسكت أو ليرضى، ولا بالعنف يقاوم، يمارسون العكس معه تماماً، باستراتيجية الإبادة له مرتين: مرة بيولوجياً بالجملة في غزة، وبالمفرق في الضفة, كما يتجلى بقتلهم الأجنة في الأرحام في غزة كي لا يولدوا أحياء, والرضع في الأحضان وفي الرياض كي لا يكبروا، والتلاميذ والتلميذات والمعلمين والمعلمات في المدارس كي لا يتعلموا ويعلموا، والطلبة والأساتذة والأستاذات والباحثين في الكليات والجامعات كي لا يطوروا ويبتكروا، والمرضى في العيادات والمستشفيات كي يموتوا، وبقية الناس في البيوت والمكاتب والمزارع والمصانع والحوانيت والأسواق والشوارع… كي يُمحوا.
ومرّة ثانية بالإبادة الثقافية بتدمير المراكز الثقافية، والمكتبات الوطنية العامة والخاصة والمدرسية والجامعية، والمعارض الثقافية، والوثائق والأرشيفات الإدارية والمدنية والعقارية والقضائية، والمخطوطات والمتاحف حيث الآثار قديمة قدم غزة في التاريخ السابقة بالوجود لبني اسرائيل القديمة كما تفيد توراتكم التي تذكرها عشرين مرة، بالإضافة إلى تدمير المسارح والمعالم الأثرية, لمحو أي أثر أو ذاكرة أو هوية كنعانية فلسطينية من التاريخ والواقع, تثبت أن بني اسرائيل في الماضي اعتدوا على أرض كنعان / فلسطين واغتصبوا بعضاً منها واقاموا دولتين عابرتين فيما يسمى يهوذا والسامرة.
ولم تكتفوا بذلك بل دمرتم كل ما يحفظ باليد أو الكترونيا، وسائر المقتنيات العامة والخاصة، وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والجوامع والكنائس، وحتى المقابر. كما دمرتم الحرف اليدوية جميعاً كالتطريز، وصناعة الفخار، والخزف، والخيزران، وسائر الأعمال الفنية التراثية، واقتلعتم أشجار الزيتون والحمضيات أو حرقتوها…ووحولتم أسماء القرى والمدن الكنعانية الفلسطينية العريقة في التاريخ إلى أسماء عبرية لسرقة الأولية الكنعانية الفلسطينية لصالح اسرائيل الثانوية, وأقمتم المستوطنات بينها وحولها وطوقتوها بطرق التفافية، وحواجز ثابتة ومتحركة, واغلقتم الطرق بينها كي تقطعوا أوصال هذا الشعب البريء من أي اضطهاد لكم في التاريخ لقد دمرتم قطاع غزة طولاً وعرضاً وفوقاً وتحتاً بالكامل. كما يفيد تقرير للمكتبة الوطنية الفلسطينية هذه المعلومات. أي أن ما تم بناؤه وإعماره عبر آلاف السنين تم تدميره بطائراتكم ودباباتكم ومدافعكم في أيام بدلاً من قيامكم بالاعتذار التاريخي للشعب الفلسطيني مرتين: مرة عن المجازر التي ارتكبها أسلافكم ضده التي بلغت 153 مجزرة في ارض كنعان / فلسطين كما تفيد توراتكم حسب ما بينه الأستاذ في جامعة هارفارد ستيف والز: في كتابه بالنص: سكران بالدم : Drunk With Blood الصادر سنة 2013. ومرة عن المجازر التي ارتكبتموها ضده منذ سنة 1920 إلى هذه الساعة/ والتي تمارسونها كم يبدو بإصرار وارتياح وسعادة.
لقد ذكرت توراتكم الكنعانيين 165 مرة، والفلسطينيين في قطاع غزة 194 مرة، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الكنعانيين / الفلسطينيين سابقون في الوجود وفي امتلاك فلسطين بني اسرائيل القديمة بمئات السنين، والجديدة بآلاف السنين.
ان الشعب الفلسطيني الحاضر بقوة هو سليل أجداده الكنعانيين / الفلسطينيين وقد تعرض وطنه الاستراتيجي إلى غزو عدد من الامبراطوريات القديمة: كاليونان/ والرومان/ والعرب المسلمين. وقد كان في كل مرة وكما كل شعب يتثقف مطراً بثقافة كل منهم, وبخاصة بالثقافة العربية الاسلامية أخيراً الممتدة لنحو ألف وخمسمائة عام. وليس كما تدعون ان الفلسطينيين مجرد عرب او بدو منهم وفدو الى اسرائيل ليعملو فيها ثم رفضو الخروج منها مدعين انها بلدهم الاصلي. وبدلاً من الاعتذار المزدوج له عن غزوكم له قديماً وحديثاً, تواصلون تعميق مأساته كما تتمثل الآن بالإبادتين البيولوجية والثقافية. إن سعادتكم بهما الناجمة عن التعليم المدرسي الذي يشيطن الفلسطينيين وينكر حقوقهم في وطنهم ويدعو اطفالكم الى ابادتهم وكأنهم حشرات يلغي أي ضمير أو خلق أو حس انساني نحوهم. لكنه قد تأتي بنتائج عكسية غداً, أفلا تدركون؟!
لو كنتم أذكياء ولديكم ضمير وحسن انساني وقراءة نقدية للتوراة لأقمتم احسن العلاقات معه ليرضى بكم ويشرككم في وطنه، فهو يتسع للجميع. لكنكم ابتدعتم استراتيجية ثالثة وهي استراتيجية الاستفزاز الدموي الدائم له، وبخاصة في مخيمات اللاجئين منه الذين سرقتم أرضهم وممتلكاتهم وشردتوهم في وطنهم وفي خارجه، وإلغيتم وكالة الغوث الدولية التي ترعاهم مدرسياً وصحياً, لإزالة أقوى شاهدين على اغتصابكم لفلسطين.
ماذا كانت النتيجة؟ تحويل فلسطين الباقية وبخاصة في الضفة وغزة وفي المخيمات على وجه الاخص إلى ما يشبه طنجرة الضغط بإبقاء النار الدائم تحتها مما يدفع الفلسطيني إلى تفضيل الموت بكرامة بالمقاومة على حياة الذل المرعبة الدائمة التي تفرضونها عليه. واقد انفجرت في وجهكم بطوفان الأقصى وبأساليب ووسائل جديدة من المقاومة لم تخطر على البال كالمقاومة بالأنفاق والطعن والدهس… مع انني شخصياً بقيت افضل المقاومة السلمية على أي مقاومة أخرى أفلا تدركون خطورة ما تفعلون عليكم غداً؟ فما أغباكم!!!
لو كانت اسرائيل ومن يؤيدونها في اوروبا وأمريكا ويسلحونها عقلاء وشرفاء, لاستخدمتم واياهم استراتيجية المودة والاسترضاء والاعتذار للشعب الفلسطيني (والعرب) بدلاً من استراتيجية الابادة والاستفزاز له/ م, فعندئذ قد تعتدل نسبة نموهم السكاني المخيفة وجودياً لكم , وتعيشون واياهم في دولة ديمقراطية واحدة بأمن وسلام ووئام. فالفلسطيني والعربي يقدرون تقليد: “لاقيني ولا تغديني”, لكن يبدو انكم تنسون أو تتناسون بل لا تدركون أنه لم ولن يوجد قوي أو مغرور بالقوة الغاشمة لا يُقهر ولا ضعيف لا ينتصر. لقد انهزمت اسبرطة وروما وبغداد العباسية، ونابليون، وهتلر من قبل, وحتى امريكا هزمت في فيتنام والعراق وافغانستان، ويهوذا واسرائيل شاهدان تاريخياً عليه أنتم كالرضيع اليتيم الأم الذي تبنته بقرة حلوب ترضعه وتحميه بقرنيها الحادين، ولم ينفطم ولم يستقل عنها، فظل لحاجة اليها طيلة حياته لتحميه وإلا قضى, ولكن الى متى؟
ها هو الجيل الفلسطيني الرابع خاصة بالمخيمات يتذكر النكبة والكارثة لأنهما تطاردانه في صحوه ونومه واينما كان, فيقاوم ويبتكر أساليب ووسائل في المقاومة لا تخطر على البال. لو كنتم تعقلون لفكرتم إلى ألف سنة إلى الأمام، وأنه قد يأتي يوما على يد واحد أو اثنين أو جماعة من جيل الثلاثين أو الأربعين الفلسطيني يقضِ على اسرائيل جملة وتفصيلاً. ان الابادة الجماعية التي تمارسون اليوم قد لا تمنع ذلك غداً. أفلا من سُكْر الصهيونية تصحون؟!!
لقد جربتم لأكثر من مائة عام إلى اليوم استراتيجية القوة الخشنة الإبادية في التعامل مع هذا الشعب, فلم تنفع ولم تخلصكم من القلق الوجودي الرهيب الذي تعيشونه صباح مساء, فلماذا لا تجربون استراتيجية القوة الناعمة معه؟ ألم يضع الشباب الفلسطيني الزهور على دباباتكم في عهد رابين عندما تراءى له بصيص من النور في نهاية النفق؟ ألا تصفكم حماس وحزب الله وسائر حكام العرب والمسلمين واعلامهم بالدولة المحتلة؟ إنهم بهذا الوصف يعترفون بشرعية دولتكم في اطار سنة 1967، وليس في نيتهم وخططتهم قتلكم جميعاً كما تزعمون. لكنكم لم تلتقطوا الرسالة عمداً لتبرروا مواصلة الإبادة.
لا تخدعوا انفسكم بأساطير التوراة، فأنتم في القرن الواحد والعشرين. فاقرؤوا التوراة نقدياً critically ام أنكم تظنون أنكم بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث في مكانه طمأنة أبدية لكم في فلسطين, لكن الهيكل هدم مرتين. لا تفهموا التوراة حرفياً فقد كتبت قصصها وأساطيرها وتواريخها قبل آلاف السنين, والعالم اليوم ليس هو عالم التوراة في الأمس, وكأنكم مثل القاعدة وطالبان وداعش تفكرون. ان هذا الفهم لا يتفق مع تفوقكم في العلوم والآداب والفنون والفلسفة.
لعل هذا التطرف الذي تمارسه حكومتكم الآن هو اخطر تهديد وجودي لإسرائيل, وأن إسرائيل قد تجني على نفسها به, فكل الاحتمالات ممكنة. أم أنكم تظنون أنكم تسيطرون على التاريخ / المستقبل، وتمنعونه من تكرار نفسه لأنكم تسيطرون الآن على الحاضر. لكن هذا الفكر أو التفكير هو مصدر الخطر الوجودي عليكم.
وفي الختام: اعلموا أنه إذا رضى الشعب الفلسطيني عنكم، فإن الشعوب العربية والمسلمة غير العربية سترضى عنكم، وستسيحون في بلادها بأمن وسلام، فاثبتوا انكم نور للأغيار كما تدعون، وليس مجرد قراصنة وقتلة (10/10/2024).
علموا هذه الرسالة في المدرسة تأمنون.