نودّع العاشق ونستقبل المشتاق…

طارق ترشيشي

نودع العاشق..ونستقبل المشتاق.. هذه هي حالنا كعرب مع الرؤساء الاميركيين الذين يتعاقبون على “البيت الابيض” ممنين النفوس بأن سياسة الرئيس الجديد، أسوداً كان أم أبيض، تجاه القضايا العربية ستكون افضل من سياسة سلفه، ثم نطلق لهذا الرئيس عنان “التهليل والتكبير” و”التطبيل والتزمير”، قبل ان تخيب آمالنا به عند اول موقف او زيارة يقوم بها الى المنطقة، وطبعا أولى زيارته تكون غالباً لإسرائيل مغتصبة فلسطين منذ العام 1948 .

مشكلة العرب هي في خطأ فهمهم طبيعة النظام الاميركي، والسياسة الاميركية، ويعتقدون ان الاميركيين كنظام حكم يمارسون العمل السياسي والسلطة على الطريقة العربية، وانهم مياومون في السياسة، بحيث أن موقفهم اليوم من هذه القضية او تلك يكون غيره غداً، في ان الاميركيين مشهورين بـ”براغماتيتهم” وان “من تزوج أمهم صار عمّهم” فـ”مصالح أميركا” هي اولاً عندهم..”ومن بعدها الطوفان”.. وضمن مصالح أميركا اولاً، يأتي أمن إسرائيل ومصالحها أولاً وثانيا…وعاشرا.

ما من رئيس دخل الى “البيت الابيض” الا بعد تقديمه “فروض الطاعة والولاء لإسرائيل”، وإلا لما تمكن ترشيحه للرئاسة من العبور داخل حزبه سواء كان “الديموقراطي” أو”الجمهوري” لا فارق.. فهو يعلن التزاما مسبقا دعم اسرائيل والدفاع عن امنها ومصالحها في اي مكان. ولكي “يموه” و يغطي إنحيازه المستبق، يعطينا كعرب “من طرف اللسان حلاوة” وعدا واهيا ببذل الجهود  لفرض “حل عادل” للقضية الفلسطينية  ومجمل النزاع العربي ـ الاسرئيلي، وما ان يتسلم زمام الرئاسة “يروغ مثلما يروغ الثغلب” فتنقضي ولايته سواء جددها او ام لا، ولم يحقق من وعده للعرب اي شيء، ان لم يكن قد ورطهم في حرب وباعهم من الاسلحة ما انعش الاقتصاد الاميركي وخلف دمار في هذا البلد العربي او ذاك يحتاج الى مئات وربما آلاف مليارات الدولارات لإعادة اعماره…

والمؤسف ان العرب لم يدركوا بعد ان من يحكم في الولايات المتحدة الاميركية هو المؤسسات وليس الاشخاص مثلما هي الحال عندنا، وان السياسات الاميركية تحددها هذه المؤسسات خدمة لمصالح أميركا وليس لخدمة هذا الرئيس او ذاك ، ومن يتولى الرئاسة الاميركية سواء كان “ديموقراطياً” أو “جمهورياً” عليه ان يلتزم هذه السياسات وينفذها ويدافع عنها في كل مكان، ربما يحق له ان يغير في اسلوب العمل لتنفيذها، ولكن ليس مسموحا له التغيير فيها، لأن واضعيها، وهم “الدولة الاميركية العميقة” يدركون مصالح اميركا جيداً، و”يعرفون من اين تؤكل الكتف” أكثر منه، فعليه ان ينفذ وممنوع عليه ان يناقش، واذا كان لديه من أعتراض يمكنه ان يبديه بعد التنفيذ. هو عليه ان يدير سياسة لا ان يصنعها، ونقطة على السطر.

مشكلة العرب، او بعضهم، حتى لا نعمم، هي ان ليس لديهم سياسات استراتيجية، واخرى طويلة المدى او مرحلية خدمة للإستراتيجية، وانما لديهم سياسات يومية وآنية وبلا أفق، ويظنون ان سياسات الآخرين مثل سياساتهم، وان في الامكان الاعتماد دوما على وعود الآخرين ومواعيدهم العرقوبية، فحق عليهم دوما قول الشاعر العربي:

كانت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلاً … وما مواعيدها إلاّ الاباطيل

مشكلة العرب مع الرؤساء الاميركيين انهم “يودعون العاشق ويستقبلون المشتاق”، فلا العاشق شفا غليلهم، بل أخذ كل غلالهم، فضلاً عن غليلهم.. وأما المشتاق الذي يستقبلونه بـ”طبل وزمر” فسيعمل بهدي سلفه عاشقاً  سيأخذ غلالهم بعد فصاله عنهم ممهداً الطريق لمشتاق جديد..

فما من احد سكن “البيت الابيض” الا وكان عشقه الاول والأخير لإسرائيل،وأمن إسرائيل واما عشقه للعرب فليس بعشق، وانما هو عشق فقط لثرواتهم وخيراتهم، وكيف يجيرها لمصلحة بلاده، اما قضاياهم فليست سوى لعق على لسانه، وكلامه و”إلتزاماته” عنها ليس الا ممالأة ومسايرة، ولا يسمنان ولا يغنيان من جوع… وهلمّ جراَ مع كل ساكن جديد للبيت الابيض.

  • مدير تحرير صحيفة اللواء اللبنانية

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

مصدومون من التوقف المفاجىء للحرب!

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – أستيقظ العالم صباح الثلاثاء على توقف مفاجىء للقتال …