الأول – يبدو أن خطاب زعيم تنظيم “داعش” أبوبكر البغدادي ، الذي كشف عنه مؤخراً مصدر محلي في محافظة نينوى العراقية، حيث دعا فيه أنصاره للتخفي والفرار إلى المناطق الجبلية وكذلك “مواصلة القتال والجهاد”، على حد تعبيره، قد أحدث فارقاً في المعارك الدائرة على الأرض.
فقد شوهد مقاتلو داعش بعد يوم واحد من خطاب زعيمهم وهم يهربون من ساحات المعارك في الساحل الأيمن وبقية المناطق من مدينة الموصل عملاً بخطاب قائدهم البغدادي.
وبحسب مصادر من قوات الجيش العراقي فقد بدأت مفارز التعويق بالعمل، حيث إن بعض الانتحاريين استطاعوا تفجير أنفسهم بالقرب من القوات العراقية في أحياء الطيران ووادي حجر والمنصور.
ومعظم المقاتلين الذين قتلوا، ولم يهربوا، هم مقاتلون أجانب من الشرق الآسيوي ومن بعض الدول العربية ، وأكد ذلك وجود بطاقات تعريفية لبعض القتلى وهم من سوريا و تونس و ليبيا.
عناصر من القوات العراقية خلال المعارك
المعارك قبل الخطاب وبعده
المعركة قبل خطاب البغدادي كانت شرسة جداً، وقد وضع مسلحو تنظيم “داعش” أقوى خطوط الصد على الإطلاق في كل معاركهم التي خاضوها، والتي وصفها اللواء الركن معن السعدي، القائد في جهاز مكافحة الإرهاب، في حديثه لـ”العربية.نت” بأن التنظيم كان يراهن وبقوة على عدم اقتحام خطوط الصد هذه، وذلك لاعتماد التنظيم على مقاتلين أجانب ، وقد خسر التنظيم 70 مقاتلاً منهم في هذه المعارك.
وبالعودة إلى خطاب البغدادي، وفي إطار الحديث العام عن ولاية نينوى، التي وصفها بأنها “منارة من منارات الدولة الإسلامية”، بحسب تعبيره، فإنما يدل هذا التوصيف الهام على نزعة البغدادي للتقليل من شأن مدينة الموصل في ذهنية مناصريه بهدف تهيئتهم لتحريرها المحتمل على أيدي الحكومة العراقية.
ومع ذلك، ستكون خسارة المدينة أبرز نكسة للتنظيم منذ بدء عمليات الهجوم للقضاء عليه، ولدعوة مناصريه لعدم الاهتمام بهذه الخسارة، دعاهم للخروج إلى الصحراء أو الهرب نحو سوريا أو تفجير أنفسهم قبل القبض عليهم.
جنود عراقيون يضبطون عنصرا من داعش بين الفارين من الموصل
لماذا لم يركز على خسارة دابق؟
وعلى هذه الخلفية، لم يركز البغدادي في خطابه على ذكر خسارة تنظيم “داعش” لبلدة دابق أو على تبرير الهزيمة فيها، علماً بأن دابق الواقعة في شمالي سوريا هي منطقة تحمل رمزية خاصة بالنسبة للتنظيم، الذي وظف آلية دعايته الفكرية على مدى سنوات في تصوير دابق كموقع حدوث ملحمة نهاية الزمان.
وفي تجسيد لاعترافه بهزيمة التنظيم الوشيكة وبأن خسارة الموصل هي إشارة إلى نهاية سيطرة “داعش” على أبرز مناطق العراق ، يرتكز البغدادي في خطابه على عِبَر مستقاة من انتصارات تاريخية ودينية تحققت في وقت كانت الجيوش الإسلامية على شفير الهزيمة، بهدف إسكات الشك والخوف المتفاقمين في صفوف المقاتلين.
وحظي مقاتلو “داعش”، الذين تحتجزهم الحكومة العراقية، باعتذار من البغدادي مفاده بأنه غير قادر على مساعدتهم، وبأنه الحري بهم أن يقضوا فترة احتجازهم في الصلاة لإخوانهم.
أبوبكر البغدادي
خطاب الإحباط والخيبة
ويمكن رؤية خطاب البغدادي على أنه خطاب الإحباط والخيبة. فخلافاً لرسائله السابقة التي ناشد فيها الفئات الدينية في العالم بالانضمام إلى “داعش”، يضفي على خطابه الأخير سمات توبيخ الجماعات السنية لنكرانها عقيدة التنظيم، وعدم تعاطفها معها. ويتجلى مصدر هذه الخيبة في رفض العالم للهوية والرسالة والعقيدة التي يمثلها البغدادي وتنظيمه.
كما أن المدنيين الذين تحت سيطرة “داعش” قد انقلبوا تدريجياً ضد التنظيم من خلال قيامهم بنشاطات مقاومة للتنظيم، صغيرة كانت أم كبيرة، مسلحة أو مجردة من السلاح.
يذكر أن الحكومة العراقية وبمساندة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية بدأت في 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 حملة عسكرية كبيرة لتحرير محافظة نينوى وعاصتمها مدينة الموصل العراقية من التنظيم الإرهابي.