الجمعة , مارس 29 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

عن رمسيس وبابل واوغاريت والأنباط

موفق محادين –

الأول نيوز – مقابل قيام البعض بمسح بل وشيطنة أعظم حقبة حضارية في تاريخنا، وقطع ما بعد الإسلام عمّا قبله، وشطب كتاب الحضارات القديمة من المناهج الدراسية باسم محاربة الجاهلية، فإن الاحتفال المهيب (بلمساته الفنيّة والعربات والأوبرا واللوتس) الذي رافق نقل 22 من المومياوات الملكية إلى المتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط، أعاد إلى الأذهان ضرورة تصويب وتصحيح التاريخ ليس في مصر وحدها بل من المحيط إلى الخليج.
يشار هنا إلى أن اليهودية العالمية، من أكثر من عمل على شيطنة الحضارات العربية القديمة وشطبها، فـفي التوراة بابل زانية، والفراعنة استبعدوا اليهود، ومؤاب والبتراء وعمون ملعونة، وأوغاريت وكنعان حضارات زراعية تموزية مقابل يهوه الرعوي.
إلى ذلك فإن تاريخ مصر لم يبدأ مع عمرو بن العاص بل قبله بقرون، ولم يغلق مع الاحتلال العثماني الإقطاعي والاستعمار الأوروبي الرأسمالي.
وكما في رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) والدراما المصرية (ارابيسك)، ثمة حقب متتالية تتكامل ولا تتناقض:
في مصر، الحقبة الفرعونية وآثارها العظيمة ممثلة بالأهرامات والمعابد وغيرها، وما تعكسه من تقدّم العلوم في الحساب والهندسة والفلك والطب والفنون، ثم الحقبة القبطية وفنونها المعمارية وسجالاتها اللاهوتية الفلسفية وخاصة مدرسة الإسكندرية، ثم الحقبة الإسلامية وصولا إلى حقبتي محمد علي وجمال عبد الناصر (السد العالي، مجمع الحديد والصلب في أسوان، المشروع الثقافي والتعليمي والفنّي الكبير)
وبالمثل أيّة بقعة عربية، بل أن المسجد الأموي في دمشق مثال على التحاقب المتواصل، معبد زيوس اليوناني الذي بني عليه معبد جوبيتر الروماني الذي بنيت عليه كنيسة يوحنا ثم المسجد الأموي.
ولنا أن نقول أن انتشار الإسلام في سوريا الطبيعية (سوريا الحالية أو الشام، الأردن، فلسطين، لبنان) كان امتدادا لمال سبقه من حضارات: الفينيقيون، أبجدية أوغاريت، كنعان، الآراميون، السريان، الأنباط، وكذلك الآثار المنسوبة لليونان والرومان والمشيّدة بأيد عربية.
وبالمثل العراق، موئل الحضارات الأولى، سومر، أكد، بابل، الحدائق وحمورابي، وآشور، ثم المسيحية (اليعقابة والنساطرة).
وبالتأكيد لا ينتهي الأمر عند الحضارات القديمة لمصر والعراق وسوريا الطبيعية، بل يمتد إلى اليمن والخليج عندما كانت تلك المناطق شريان الطرق التجارية الكبرى للتوابل والبخور والبن والياقوت، كما يمتد إلى افريقيا العربية من لوبيا (ليبيا) إلى قرطاج والأوراس والأطلس الكبير (المغرب) وهي المناطق التي انطلقت منها موجات العرب والأمازيغ التي شيّدت حضارة الأندلس وعرّفت أوروبا على الفلسفة والصابون والحمّامات.
في ضوء ما سبق، وبعيدا عن الانحيازات السياسية، يمكن بل يجب على بقيّة البلدان العربية الاحتذاء بالاحتفال المصري وإحياء الصفحات الحضارية الأولى، ليس بوصفها هويات مغلقة وقطرية هنا وهناك، بل بوصفها جزءا من هوية وحضارة الأمة، ويمكنها بل من واجبها أيضا إعادة تدريس الحضارات القديمة في المناهج المدرسية والجامعية، والتوقّف عن تأويل مفهوم الجاهلية على غير ما ورد في القرآن الكريم، فمهوم الجاهلية في القرآن جاء في سياقات أخرى لا تتناقض أبدا مع البعد الحضاري المذكور.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

التعليم والمجتمع…الاشتباك من المسافة صفر

الاول نيوز – محمد موسى المرقطن –   منذ مطالع القرن العشرين والتعليم بجميع مساراته …