السبت , أبريل 20 2024 رئيس التحرير: أسامة الرنتيسي

كوارث النرجسية في السياسة

علي محمد فخرو –

الأول نيوز – لا بد أن هناك خللاً كبيراً في الممارسة السياسية عبر العالم يفسر ما أصاب هذا الحقل مؤخراً من تناقضات، ومغامرات، وخلط مريع للأوراق، وولادة أحداث وقرارات تهدد العالم كله بإمكانيات الدمار والفناء. وما عادت هناك جهة أو تجربة واحدة يستطيع الإنسان الإشارة إليها أو الإشادة بها ليتعلم منها شباب وشابات أمة العرب.

فالنظام الديمقراطي الذي كان يعول عليه كصمام أمان لضبط تجاوزات المؤسسات الاقتصادية ولحماية المؤسسات الاجتماعية وإيجاد توازن ومعقولية في ممارسات الحرية الفردية والعامة وفي بناء علاقات مجتمعية تحكمها موازين العدالة والمساواة في المواطنة واحترام القوانين، هذا النظام ينخره الفساد المالي والذممي والأخلاقي، ويقف عاجزاً أمام قوى الاستخبارات وما تفرضه الدولة العميقة، وما يهذي به هذا القائد النرجسي الشعبوي المجنون أو ذاك، وتدخله في اليأس والقنوط تقلبات أمزجة الناخبين وضحالة ثقافتهم السياسية وعدم دفاعهم عن أسس المنافسة السياسية الشريفة.

والنظام الاقتصادي والمالي لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة أخرى. ومع أن كل الدلائل تشير إلى أن هذا النظام قد أصبح يرسخ الظلم، ويقود إلى مزيد من الفقر، بينما يزيد غنى أقلية صغيرة متخمة، ويتطور شيئاً فشيئاً نحو الدخول في مغامرات تكنولوجية مجنونة وكوارث بيئية كبرى، إلا أن المؤمنين به على استعداد أن يشعلوا الحروب والاضطرابات السياسية والأمنية في كل مكان، وذلك من أجل الإبقاء على هذا النظام طيعاً وخادماً لقوى استعمارية مهيمنة نهمة وأنانية إلى أبعد الحدود.

وما كان ذلك كله ليكفينا، إذ نحن الآن أمام نظام إعلامي وتواصل اجتماعي يسرع الخطى نحو التمرد على غاياته الإنسانية القديمة الكبرى في تقريب البشر وتسهيل تفاهمهم وتعارفهم، ليحل مكان ذلك تسخير الحقل برمته في خدمة السياسة والاقتصاد الفاسدين المليئين بكل الخطايا التي ذكرنا، بدلاً من فضحهما وتصحيح مساوئهما.

وفي هذه اللحظة لا يعرف أحد إلى أية كوارث سيقود هذا الحقل بعد أن أصبح كالعادة، وبالنسبة المماثلة لكل الحقول والأنظمة الأخرى، أداة طيعة في يد أقلية تستعمله لجني الثروة وبناء الوجاهة السياسية لها.

وهكذا، فعندما يرى المشاهد ما يجري من جنون وعبث ومغامرات في أوكرانيا، وما يجري من مماحكات تجارية وتكنولوجية بين أمريكا ومنافسيها، وما يعرض يومياً من تمثيليات، يعرف القاصي والداني أنها كاذبة وملفقة وصادرة عن أجهزة مخابرات مهيمنة، بشأن شيطنة هذه الشخصية أو تلك، كما هو الحال مع تعامل الغرب المضحك مع الرئيس الروسي بوتين، وما أصبح مبدأ سياسياً مقبولاً من التعامل بألف وجه مع نفس المشكلة أو الحادثة، كما نراه من تعامل الغرب مع مآسي الشعب الفلسطيني مقارنة بتعامله مع مآسي شعب أوكرانيا، عندما يرى الإنسان كل ذلك، وهو جزء صغير من محيط كبير متلاطم، يدرك مقدار الصعوبة في عملية التثقيف السياسي في بلاد العرب، بل في العالم كله.

فالتعليم الذي لا يستند إلى أمثولة في الواقع وإلى تجارب شريفة إنسانية يشار إليها، يصبح تعليماً نظرياً يفقد بريقه وصدقيته بسبب تعارضه مع الواقع وعيشه في الخيال.

ومع ذلك يحتاج شباب وشابات الأمة إلى أن ينتبهوا إلى جانب مفصلي جدير بأن لا ينسى قط، هو أن لا يتعاملوا مع، ولا يقتربوا من، ولا يثقوا بأية شخصية سياسية، سواء في داخل أوساطهم أو خارجها، تتصف بالصفات النرجسية. هذا المرض النفسي إن أصاب شخصاً مهمّاً وقائداً في أي عمل سياسي لن يؤدي إلا إلى مصائب وكوارث.

وإذا كان يجب أن يشار إلى شخصية تجسد تلك العاهة النفسية وتحتاج إلى أن يتعلموا من إشكاليات نرجسيتها فإننا ننصح بقراءة ما كتبه عشرات من علماء النفس الأمريكيين حول شخصية الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

من الضروري أن يتعرفوا على ذلك من أجل أن يتعرفوا على إمكانيات إشكالياتها في حقل السياسة عبر كل بلاد العرب، وحتى يعملوا في النضال السياسي بعيداً عن أجواء وملابسات النرجسية، وهذا موضوع يستحق أن نناقشه أكثر.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

التيار الديمقراطي البرتقالي والمشروع الوطني للتغيير

الأول نيوز – د  محمد العزة يعد تاريخ صدور الارادة الملكية السامية بتشكيل اللجنة الملكية …