في حضرة كامل محادين… لا أحد يغادر فعلاً

 

د. مارغو حداد* – الأول نيوز –

 

اليوم، في أروقة الجامعة الأمريكية في مادبا، خفَتَ صوتُ الخطى، لا لأن القاعات فرغت، بل لأن قامةً كانت تملؤها علمًا ووقارًا قررت أن تُسلِّم شعلة التعليم، وتغادر الصف لا الحياة.

الدكتور كامل محادين لم يكن مجرد أستاذ جامعي يشرح المفاهيم ويصحح الأوراق. كان فكرة، وموقفًا، ولغةً تمشي على قدمين.

على مدى أكثر من خمسة وأربعين عامًا، حمل الطبشورة كأنها ريشة نحات، نحت بها وعيًا وذوقًا وفكرًا، لا في طلبته فقط، بل في مؤسسات، ومدن، وساحات، وأحلام.

كان الوزير الذي دخل الوزارات بروح المعماري وصوت الفنان. وكان المعماري الذي دخل الجامعة بروح الفيلسوف ودقة الحرفي.

اليوم، تحدث إلينا كما يفعل دائمًا… ببساطة العارف، ومحبة الوالد، وشغف المبتدئ. جال بين أقسام الجامعة، من لجان التحكيم إلى مشاريع الطلبة، يفتح الباب تلو الباب، ويلقي السلام تلو السلام، كأن المكان كلَّه بيته، ونحن أهله.

كلماته اليوم لم تكن وداعًا، بل درسًا أخيرًا… في المحبة، والانتماء، والكرامة الأكاديمية، وفي معنى أن تكون حاضرًا حتى وأنت تغادر.

غادر القاعة، لكنه بقي في الوجدان. طوى الصفحة، لكنه لم يُغلق الكتاب.

 

مكتبه، شركته، ذاكرته، نحن… كلها فصول أخرى يكتب فيها ما يشاء، كما يشاء.

نعم، يعزّ علينا أن يكون هذا يومه الأخير كأستاذ في الجامعة، لكننا نعلم، كما يعلم هو، أن الأستاذ لا يتقاعد، بل يواصل تعليمه في صمت، بالقدوة، بالأثر، وبالظل الطويل الذي لا يزول.

كل الامتنان لهذا الإنسان الذي لم يكن عابرًا فينا، بل مقيمًا في كل تفاصيلنا الأكاديمية والإنسانية.

لك المحبة يا أبا طارق

ولك المكان الذي لا يشغله سواك.

 

  • مدرسة صناعة الأفلام

الجامعة الأمريكية في مادبا

 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

سطر كود يهزم أم القنابل : حين يصبح العالم حقل قمح بلا سنابل

الاول نيوز – صلاح ابو هنود لم يعد العالم بحاجة إلى حرب عالمية لينهار. ولا …